قال: فقلت له: فلو أن رجلاً من أهل مصر حلّت زكاته عليه، وماله بمصر وهو بالمدينة، أترى أن يقسم زكاته بالمدينة؟ فقال: نعم.
قال: ولو أن رجلاً لم يكن من أهل المدينة أراد أن يقسم زكاته فبلغه عن أهل المدينة حاجة، فبعث إليهم من زكاة ماله: ما رأيت بذلك بأساً. قلت: ورأيته صواباً.
قال: وقال مالك: تقسم الصدقة في مواضعها، فإن فضل عنهم شيء فأقرب البلدان إليهم، وقد نقل عمر بن الخطاب».
وانظر أيضاً: النوادر والزيادات (٢/ ٢٩٠).
وقال ابن أبي زيد القيرواني في النوادر والزيادات (٢/ ٢٩٢): «قال مالك في كتاب ابن المواز، في الذي يبعث من زكاة ماله إلى العراق، قال: ذلك واسع، وأحب إلي أن يؤثر بها من عنده من أهل الحاجة إن كانت الحاجة عندهم، وإن لم يكن كذلك، فلا بأس به، فإذا بعث بها فأصيبت بالطريق، فلا شيء عليه».
وقال الشافعي في الأم (٣/ ١٨٢/ ٨٧٦): «ولا تنقل الصدقة من موضع حتى لا يبقى فيه أحد يستحق منها شيئاً».
وقال أبو عبيد في الأموال: «والأصل في هذه الأحاديث: سنة النبي ﷺ في وصيته معاذاً حين بعثه إلى اليمن، يدعوهم إلى الإسلام والصلاة، قال: فإذا أقروا لك بذلك، فقل لهم: إن الله فرض عليكم صدقة أموالكم، تؤخذ من أغنيائكم فترد في فقرائكم».
ثم قال: «والعلماء اليوم مجمعون على هذه الآثار كلها أن أهل كل بلد من البلدان، أو ماء من المياه، أحق بصدقتهم، ما دام فيهم من ذوي الحاجة واحد فما فوق ذلك، وإن أتى ذلك على جميع صدقتها، حتى يرجع الساعي ولا شيء معه منها، بذلك جاءت الأحاديث مفسرة».
ثم قال بعد ذكر بعض الآثار عن عمر: «فكل هذه الأحاديث تثبت أن كل قوم أولى بصدقتهم حتى يستغنوا عنها، ونرى استحقاقهم ذلك دون غيرهم، إنما جاءت به السُّنَّة لحرمة الجوار، وقرب دارهم من دار الأغنياء.
فإن جهل المصدق، فحمل الصدقة من بلد إلى آخر سواه، وبأهلها فقر إليها، ردها الإمام إليهم، كما فعل عمر بن عبد العزيز، وكما أفتى به سعيد بن جبير، إلا أن إبراهيم والحسن ترخصا في الرجل يؤثر بها قرابته، وإنما يجوز هذا للإنسان في خاصة ماله، فأما صدقات العوام التي تليها الأئمة فلا».
ثم أشار إلى أحاديث الرخصة في حملها من بلدها إلى غيره، ثم قال: «وليس لهذه الأشياء محمل إلا أن تكون فضلاً عن حاجتهم، وبعد استغنائهم عنها».
وقال صالح بن أحمد في مسائله لأبيه (٤٢٤): «سألت أبي: تخرج الزكاة من بلد إلى بلد؟
قال: لا. قيل له: فإذا كان قال: يدور؟ قال: ينظر أكثر مقامه وأكثر ماله أين هو،