للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وكفّارات أيمانهم وذنوبهم، إنما هي حقوق تجب لبعضهم في مال بعض لآجال مختلفة وأوقات شتّى، فإذا أدوها قبل وجوبها عليهم فقد أحسنوا وزادوا؛ لأنه يمكن أن يعجّل الرجل زكاة ماله، أو صدقة فطره، أو كفّارة يمينه قبل وجوبها عليه ثم يموت قبل محل زكاته، وقبل الفطر، وقبل الحنث، فيكون متطوّعاً بذلك كالذي يكون عليه الدين إلى أجل فيؤديه قبل محله عليه».

وقال الترمذي: «وقد اختلف أهل العلم في تعجيل الزكاة قبل محلها، فرأى طائفة من أهل العلم أن لا يعجّلها، وبه يقول سفيان الثوري، قال: أحبّ إليّ أن لا يعجلها، وقال أكثر أهل العلم: إن عجلها قبل محلها أجزأت عنه، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق».

وقال ابن المنذر في الإشراف (٣/ ٥٥): «واختلفوا في تقديم الزكاة مع وجود النصاب الكامل قبل أن يحول عليه الحول:

فقالت طائفة: يجوز تقديم الزكاة، وبهذا قال: الحسن، وسعيد بن جبير، والزهري، والأوزاعي، وأصحاب الرأي، والشافعي، وإسحاق، وأبو عبيد، وأحمد.

وذلك لما روى علي؛ أن العباس سأل رسول الله في تعجيل صدقته قبل أن تحلّ، فرخّص له في ذلك.

وقالت طائفة: أنه لا يجوز، حكي ذلك عن الحسن، وبه قال ربيعة، ومالك.

لما روي عن النبي ؛ أنه قال: «لا تؤدَّى زكاة قبل حلول الحول».

وقال بعض أهل العلم: لا يجوز تقديم الزكاة؛ لأن للزكاة وقتاً، فإن قدم الزكاة قبل الحول أعاد؛ كالصلاة». قال ابن المنذر: «لا يجزيه، وإن عجّل».

قلت: قوله: لما روي عن النبي ، أنه قال: «لا تؤدَّى زكاة قبل حلول الحول»؛ فلم أجده بهذا اللفظ، وهو ظاهر في عدم الإجزاء، وقد روي من حديث علي مرفوعاً بلفظ: «ليس في مالٍ زكاة حتى يحول عليه الحول»، وإسناده واه [تقدّم تخريجه برقم (١٥٧٣)]، وروي مرفوعاً أيضاً من حديث عائشة، ومن حديث أم سعد، ومن حديث أنس، ومن حديث ابن عمر، ولا يثبت من ذلك شيء.

والعمدة في ذلك على الموقوف، فقد ثبت عن علي بن أبي طالب، أنه قال: «ليس في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول»، وثبت عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: «لا تجب في مال زكاة حتى يحول عليه الحول». وهذا غايته بيان شرط الوجوب.

راجع تفصيل ذلك تحت الحديث رقم (١٥٧٣)، وقد قلت هناك: والحاصل: أنه قد صح عن اثنين من الصحابة أن: «ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول»؛ عن علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين، وعبد الله بن عمر، ولا يثبت في الباب حديث مرفوع، والعمدة في هذا الباب على الموقوف، وعلى الإجماع، وما عليه عمل المسلمين في الصدقات، والله أعلم. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>