وعليه: فإن الثابت عن الصحابة في ذلك، لا يمنع من تقديم الزكاة إذا وجد سببها، وهو حصول النصاب، وغاية الأمر أن هذه النصوص عن الصحابة إنما تستعمل في بيان شرط الوجوب، لا في عدم الإجزاء، وشرط الوجوب: أن يحول الحول على المال المستفاد، ولا حرج على المزكي إذا قدم الزكاة بعد وجود سببها، وقبل حلول شرط وجوبها، استدلالاً بقصة العباس كما تقدم بيانه، وبفعل الصحابة في تقديم زكاة الفطر على وقت وجوبها، وبجواز تقديم كفارة اليمين على الحنث، وقد سبق بيان ذلك بشيء من التفصيل والبسط في كلام أبي عبيد وابن زنجويه، والله أعلم.
وقال البيهقي في السنن (٤/ ١١٠ - ١١١) في فاتحة الباب: «اعتمد الشافعي ﵀ فيه على ما ثبت عن النبي ﷺ في اليمين: «فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ».
ثم على: ما ثبت عن بعض أصحاب النبي ﷺ في ذلك، منهم: عبد الله بن عمر بن الخطاب ﵁، ربما كفر عن يمينه قبل أن يحنث، وربما كفر بعدما يحنث، وموضعه كتاب الأيمان.
أخبرنا أبو سعيد: ثنا أبو العباس: أنبأ الربيع، قال: قال الشافعي: ويروى عن النبي ﷺ، ولا أدري أيثبت أم لا: أن النبي ﷺ تسلف صدقة مال العباس قبل أن تحل» [وقال نحوه في المعرفة (٦/ ٨١)].
وقال في موضع آخر (١٠/ ٥٤): «قال الشافعي: وإن كفر قبل الحنث بإطعام، رجوت أن يجزئ عنه، وذلك أنا نزعم أن الله تعالى حقاً على العباد في أنفسهم وأموالهم، فالحق الذي في أموالهم إذا قدموه قبل محله أجزأ، وأصل ذلك: أن النبي ﷺ تسلف من العباس صدقة عام قبل أن يدخل، وأن المسلمين قد قدموا صدقة الفطر قبل أن يكون الفطر، فجعلنا الحقوق التي في الأموال قياساً على هذا».
وقال البغوي في شرح السُّنَّة (٦/٣٢): «واختلف العلماء في تعجيل الزكاة قبل تمام الحول، فذهب أكثرهم إلى جوازه، وهو قول الزهري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي. وقال الثوري: أحب أن لا تعجل.
وذهب قوم إلى أنه لا يجوز التعجيل، ويعيد لو عجل، وهو قول الحسن، ومذهب مالك.
واتفقوا على أنه لا يجوز إخراجها قبل كمال النصاب، ولا يجوز تعجيل صدقة عامين عند الأكثرين».
وانظر أيضاً: المدونة (١/ ٣٣٥)، اختلاف الفقهاء لابن نصر المروزي (٢٤٥)، مختصر اختلاف العلماء (١/ ٤٥٥)، معالم السنن للخطابي (٢/ ٥٤)، الإشراف على نكت مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب المالكي (١/ ٣٨٦)، البيان للعمراني (٣/ ٣٧٨).