للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال الدارمي بعد حديث حجية عن علي: «آخذ به، ولا أرى في تعجيل الزكاة بأساً».

وقال أبو عبيد في الأموال (١٨٩٤): «وإنما نرى وقوف من وقف في هذا أنه أشبه الزكاة بالصلاة، إذ كانت لا تجوز قبل وقتها، فأشفق أن تكون الزكاة كذلك.

والذي عندنا فيه: أن السُّنَّة قد فرقت بينهما، ألا ترى أن الصلاة لها أوقات وحدود معلومة عن رسول الله ، ويحدثه عن جبريل- أنه أمه فيها، وحدها له، فليست تتعدى تلك الأوقات بتقديم ولا تأخير؟

ولم يأت عنه أنه وقت للزكاة يوماً من الزمان معلوماً، إنما أوجبها في كل عام مرة، وذلك أن الناس تختلف عليهم استفادة المال، فيفيد الرجل نصاب المال في هذا الشهر، ويملكه الآخر في الشهر الثاني، ويكون للثالث في الشهر الذي بعدهما، ثم شهور السنة كلها، وإنما تجب على كل واحد منهم الزكاة في مثل هذا الشهر الذي استفاده فيه من قبل، فاختلفت أوقاتهم في محل الزكاة عليهم؛ لاختلاف أصل الملك، فكيف يجوز أن يكون للزكاة يوم معلوم يشترك فيه الناس؟ وأما الصلاة فإنما وجوبها على الناس معاً في ميقات واحد، فلهذا أفتت العلماء بتعجيل الزكاة قبل محلها، وفرقوا بينها وبين الصلاة، مع الحديث المأثور عن النبي في عمه العباس.

وبهذا القول يقول علماء أهل العراق، وأهل الشام، وعليه الناس، إلا ما ذكرنا عن مالك بن أنس، وأهل الحجاز.

وكذلك تأخيرها إذا رأى ذلك الإمام في صدقة المواشي، للأزمة تصيب الناس، فتجدب لها بلادهم، فيؤخرها عنهم إلى الخصب، ثم يقضيها منهم بالاستيفاء في العام المقبل، كالذي فعله عمر في عام الرمادة، وقد يؤثر عن النبي حديث فيه حجة لعمر في صنيعه ذلك»، ثم احتج له بحديث أبي هريرة المتفق عليه، وقد تقدم.

وقال ابن زنجويه في الأموال (٢٢١٦): «لا بأس بتعجيل الزكاة قبل حلها، وتقديم صدقة الفطر قبل يوم الفطر، وتكفير اليمين قبل الحنث وبعد الحنث، وقد شبه ناس ذلك بالصلاة والصيام فقالوا: لا يجوز له أن يعجلها، كما لا يجوز له أن يصلي صلاة قبل دخول وقتها، ولا يجوز له أن يصوم رمضان قبل دخوله، فخالفوا الآثار وغلطوا في القياس، فلا يجوز تشبيه الزكاة بالصلاة لاختلاف حاليهما؛ لأن الله تعالى اختار مواقت الصلاة على ما سواها من الأوقات، وجعلها أمراً عاماً، وحقاً لازماً واجباً، على شاهد الناس وغائبهم، وصحيحهم وسقيمهم، وذكرهم وأنثاهم، وحرهم ومملوكهم، وكذلك الصيام اختار له شهر رمضان على ما سواه من الشهور، وكذلك الحج اختار له أيام الحج، فلا يجوز لأحد أن يقدم صلاة قبل دخول وقتها، ولا يصوم رمضان قبل دخوله، ولا يجوز أن يحج إلا في أيام الحج، ولا أن يجمع إلا في وقت الجمعة ومع الإمام؛ لأنها إنما هي فرائض على الأبدان ولها أوقات لا تزول وليست من حقوق الناس وزكوات الناس

<<  <  ج: ص:  >  >>