للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

من القوت ما فيه الزكاة، فإذا اقتاتوا طعاماً فيه الزكاة فأخرجوا منه: أجزأ عنهم إن شاء الله تعالى، وأحب إليَّ في هذا أن يخرجوا حنطة، إلا أن يقتاتوا تمراً أو شعيراً فيخرجوا أيهما اقتاتوا».

وكان مالك لا يرى إخراج القطنية والدقيق والتين والعروض في زكاة الفطر، وإن كان في الذي دفع من هذه القطنية إلى المساكين قيمة صاع من حنطة، أو قيمة صاع من شعير، أو قيمة صاع من تمر؛ فلا يجزئه عند مالك، وإن كان ذلك عيش قوم فلا بأس عند مالك أن يؤدوا من ذلك ويجزئهم، مما يدل على أنه كان يرى إخراج زكاة الفطر من غالب قوت البلد. [انظر: المدونة (١/ ٣٩١)].

وذكر ابن قدامة في المغني (٣/ ٨٤) أن اختيار مالك وأحمد: إخراج التمر، واختار الشافعي وأبو عبيد: إخراج البر، وذهب بعض الشافعية إلى توجيه قول الشافعي؛ بأن البر كان أغلى في وقته ومكانه؛ لأن المستحب أن يخرج أغلاها ثمناً وأنفسها، ثم قال ابن قدامة: «وإنما اختار أحمد إخراج التمر؛ اقتداء بأصحاب رسول الله واتباعاً له»، ثم احتج بأثر أبي مجلز عن ابن عمر في تفضيل التمر، حيث قال: «إن أصحابي سلكوا طريقاً، وأنا أحب أن أسلكه»، قال ابن قدامة: «وظاهر هذا أن جماعة الصحابة كانوا يخرجون التمر، فأحب ابن عمر موافقتهم، وسلوك طريقتهم، وأحب أحمد أيضاً الاقتداء بهم واتباعهم».

قلت: حديث أبي سعيد يدل على التوسعة، وأن المكلف يخرج من غالب قوت بلده، ومما يقتاته عادة من هذه الأصناف المذكورة، وما كان في معناها مما يقتاته الناس من الحبوب المقتاتة، مثل: القمح والسلت والذرة والدخن والأرز، وباب زكاة الفطر أضيق من باب زكاة الزروع والثمار، حيث أخرجوا القطنية من زكاة الفطر، وهي من زكاة الزروع، ولا يدخل في زكاة الفطر اللحم والسمك، حيث لم يقل به أحد من الصحابة، كما لا يدخل الخبز والدقيق والسويق، لوجوده في عهد النبوة، والإعراض عنه، مع كونه أنفع للمساكين لقلة المؤنة والكلفة فيه، والله أعلم. [انظر: إعلام الموقعين (٤/ ٣٥٣)].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (٢/ ١٥٧): «وكذلك لما كان يأكل الرطب والتمر وخبز الشعير، ونحو ذلك من قوت بلده، فهل التأسي به أن يقصد خصوص الرطب والتمر والشعير، حتى يفعل ذلك من يكون في بلاد لا ينبت فيها التمر، ولا يقتاتون الشعير، بل يقتاتون البر أو الرز أو غير ذلك، ومعلوم أن الثاني هو المشروع، والدليل على ذلك أن الصحابة لما فتحوا الأمصار كان كل منهم يأكل من قوت بلده، ويلبس من لباس بلده، من غير أن يقصد أقوات المدينة ولباسها، ولو كان هذا الثاني هو الأفضل في حقهم، لكانوا أولى باختيار الأفضل.

وعلى هذا يبنى نزاع العلماء في صدقة الفطر: إذا لم يكن أهل البلد يقتاتون التمر والشعير، فهل يخرجون من قوتهم كالبر والرز، أو يخرجون من التمر والشعير؛ لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>