لأحد بعد رسول الله ﷺ، حيث أمر بصاع من الطعام، أياً كان هذا الطعام مما هو قوت للناس، ومما يخرج عادة في زكاة الزروع، وإنما كان إخراج القيمة اجتهاداً من معاوية بن أبي سفيان، وتبعه على ذلك بعض الصحابة، ولم يأخذ بقولهم: مالك، ولا الشافعي، ولا أحمد، وإنما عملوا بالحديث، والله أعلم.
قال ابن أبي زيد القيرواني في النوادر والزيادات (٢/ ٣٠١): «ومنه [يعني: المجموعة لابن عبدوس]، ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: قال مالك: وتؤدى من القمح والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والزبيب والتمر والأقط، صاع من قوت البلد الذي هو به من ذلك كله.
وأنكر مالك ما روي من الحديث في نصف صاع، ولم يصح عنده.
ويدل أن ذلك لا يجزئ عن القيمة: أن ما ذكر في الحديث الصحيح بعضه أعلى قيمة من بعض، والكيل متفق. قال: والحنطة أفضل من ذلك» [وانظر: الجامع لمسائل المدونة لابن يونس (٤/ ٣٣٩)].
وقال أشهب: «وسئل مالك، فقيل له: إن بعض الناس يقول في زكاة الفطر مدان، قال: القول ما قال رسول الله ﷺ. فذكرت له الأحاديث التي تذكر عن رسول الله ﷺ في مدين من الحنطة في زكاة الفطر، فأنكرها، وقال: عقيل؛ وتبسم، وقال: إذا كان الشيء من أمر دينك، فعليك أبداً في أمره بالثقة، وأنه لن ينجيك أن تقول: سمعت، وقد كان يقال: كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع» [البيان والتحصيل (٢/ ٤٩٨)، التمهيد (٤/ ١٣٨)].
وقال الشافعي في الأم (٣/ ١٧٢) و (١٧٤): «ولا يؤدي من الحب غير الحب نفسه، ولا يؤدي دقيقاً، ولا سويقاً، ولا قيمته».
وقال أبو داود في مسائله لأحمد (٥٩٦): «قيل لأحمد وأنا أسمع يعطي دراهم؟ قال: أخاف أن لا يجزئه، خلاف سنة رسول الله ﷺ».
وقال عبد الله بن أحمد في مسائله (٦٤٧): «سمعت أبي يكره أن يعطي القيمة في زكاة الفطر، يقول: أخشى إن أعطى القيمة ألا يجزئه ذلك».
وقال صالح بن أحمد في مسائله (٩٧٨) لأبيه: «قلت: قوم يقولون: الطعام أنفع للمساكين، وقوم يقولون: الخبز خير؟
فكرهه أبي وقال: توضع السُّنن على مواضعها، قال الله تعالى: ﴿فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً﴾ [المجادلة: ٤] ولم يأمرنا بالقيمة ولا الشيء، نعطي ما أمرنا به.
وحديث ابن عمر: فرض رسول الله ﷺ صدقة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، فيعطي ما فرض رسول الله ﷺ.
وقال: لم يلتفت أبو سعيد ولا ابن عمر إلى قيمة مقومة».
وقال أبو طالب: «قال لي أحمد: لا يعطى قيمته. قيل له: قوم يقولون: عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة.