تبعه على ذلك بعض الصحابة، وأكثر التابعين، وثبت بعض الصحابة على أداء الصاع، مثل: ابن عمر، وأبي سعيد، وعائشة، وابن عباس، وهو وجه عن ابن الزبير، وهو مروي أيضاً عن بعض التابعين، كما سيأتي بيانه، والأمر في هذه المسألة كما قال مالك وأحمد؛ أن لا قول لأحد بعد قول رسول الله ﷺ[وانظر أيضاً فيمن حكى الإجماع: الإقناع لابن المنذر (١/ ١٨٣)، شرح معاني الآثار (٢/٤٥)].
قال القاضي عبد الوهاب المالكي في شرح الرسالة (٢/٣٠): «وادعاؤهم الإجماع باطل؛ لأن ما قلناه مروي عن ابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وابن الزبير، وغيرهم».
وقال ابن حزم في الإحكام (٧/ ١٣٦): «أفيكون أعجب ممن يدعي الإجماع على قول يقول به ابن عمر إن الصحابة على خلاف ذلك الإجماع كما ذكرنا، وإنه لا يخرج البر أصلاً اتباعاً لطريق أصحابه، ثم يقول أبو سعيد: تلك قيمة معاوية، لا أقبلها ولا أعمل بها؛ فأين الإجماع؟! لولا الجنون وقلة الدين!!! … ».
وقال في المحلى (٤/ ٢٤٧): «وجمح فرسُ بعضهم فادعى الإجماع في ذلك جرأة وجهلاً».
ثم قال: «لو كان فعل الناس حجة عند ابن عمر ما استجاز خلافه، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣]، ولا حجة على رسول الله ﷺ بالناس، لكنه حجة على الناس وعلى الجن معهم، ونحن نتقرب إلى الله تعالى بخلاف الناس الذين تقرب ابن عمر إليه بخلافهم».
• قال القاضي عبد الوهاب المالكي في شرح الرسالة (٢/٢٨) شارحاً وجه الاحتجاج بحديث أبي سعيد: «ووجه الاحتجاج به: هو أن أبا سعيد أخرج ذلك مخرج الاحتجاج؛ فأخبر أن إخراجها كان من عهد رسول الله ﷺ صاعاً كاملاً إلى عهد معاوية.
فإن قيل: يجوز أن يكون ذلك بغير علم النبي ﷺ فلا يكون فيه حجة.
قلنا: هذا باطل من وجوه:
أحدها: أن المقادير لا تؤخذ إلا توقيفاً، وليس في هذا قياس، سيما في عصر النبي ﷺ.
والثاني: أن ظاهر قول الصحابي: كنا نفعل كذا على عهد رسول الله ﷺ يفيد أنه مع علمه؛ إلا أن يقيده بأنه كان لا يعلم.
والثالث: أنه أخرج ذلك مخرج الاحتجاج، وقد علم أن مجرد فعله لا حجة فيه؛ فقد تضمن ذلك أنه بأمر النبي ﷺ.
والرابع: أنه يبين العلة التي لم يعدل لأجلها إلى نصف صاع؛ فقال: تلك قيمة معاوية؛ فدل ذلك على أن ما كان يفعله على أمر النبي ﷺ.
والخامس: أن الزكاة كانت تحمل إلى النبي ﷺ، فبطل أن يكون لا يعلم بها.
وأيضاً: فلأنه قوت يخرج في صدقة الفطر؛ فوجب أن يقدر بصاع؛ اعتباراً بالشعير والتمر.