[ومن حديث أنس: صحيح البخاري (١٤٨٨ و ٢١٩٥ و ٢١٩٧ و ٢١٩٨ و ٢٢٠٨)، صحيح مسلم (١٥٥٥)] [وأخرجه البخاري من حديث أبي البختري عن ابن عمر: صحيح البخاري (٢٢٤٧ و ٢٢٤٩)] [وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة: صحيح مسلم (١٥٣٨)].
ويؤكد هذا المعنى: ما رواه شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: سألت ابن عباس عن بيع النخل، فقال: نهى رسول الله ﷺ عن بيع النخل حتى يأكل منه، أو يؤكل، وحتى يوزن، قال: فقلت: ما يوزن؟ فقال رجل عنده حتى يحزر [أخرجه البخاري (٢٢٤٦ و ٢٢٤٨ و ٢٢٥٠)، ومسلم (١٥٣٧)].
وقوله: حتى يحزر؛ يعني: يخرص؛ فيُعرف فيه حق الفقير، ثم يؤذن للمالك بالتصرف فيه كيف شاء؛ فإذا جاء وقت الصرام أخرج القدر الواجب عليه في الزكاة لمستحقيه. [انظر: الفتح (٤/ ٤٣٢)].
كذلك فإن الله تعالى قد أذن في محكم التنزيل بالتصرف في الثمرة بعد بدو صلاحها بالأكل، بينما علق إيتاء حق الفقير بالحصاد، فقال تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]، ففي إباحة الأكل منه عند بدو صلاحه، يدخل فيه من باب أولى: البيع وسائر أنواع التصرف، فقد يكون صاحب الثمر مديناً يحتاج إلى قضاء دينه، ويحتاج من المال ما يقوم به أمر دنياه، فيكون في أمس الحاجة لبيع الثمرة بعد بدو صلاحها، فإذا لم يخرص الثمر حينئذ ضاع حق الفقير، لذا شرع الخرص عند بدو الصلاح وحين يطيب الثمر، قبل أن يؤكل حفظاً لحق الفقير، وتوسعة على صاحب الثمر ليؤذن له في التصرف بما يرفع عنه الحرج، والله أعلم.
وبهذا يتبين أن ما جاء في هذه المراسيل هو الصواب، وهو أن وقت الخرص هو حين تطيب الثمرة، قبل أن تؤكل، وقبل أن يتصرف فيها المالك، وعليه عمل أهل المدينة؛ إذ يقول مالك في الموطأ (٧٢٨): «الأمر المجتمع عليه عندنا: أن النخيل تخرص على أهلها، وثمرها في رؤوسها، إذا طاب وحل بيعه، ويؤخذ منه صدقته تمراً عند الجداد».
وعليه فإن اللفظ الذي وقع لمقسم عن ابن عباس وقع فيه شيء من التصرف في العبارة، حين قال: فلما كان حين يُصرَم النخل، بعث إليهم ابن رواحة، فحزر النخل، وهو الذي يدعونه أهل المدينة: الخرص، فقال: في ذا كذا وكذا، فقالوا: أكثرت علينا يا ابن رواحة، فقال: فأنا أحزر النخل وأعطيكم نصف الذي قلت، قال: فقالوا: هذا الحق، وبه تقوم السماء والأرض، فقالوا: قد رضينا أن نأخذ بالذي قلت.
فإن هذا السياق يدل على أن الخرص لم يقع عند الصرام؛ إذ إن وقت الصرام هو وقت استيفاء حق الفقير من زكاة النخل تمراً، وعندئذ يقع الكيل في التمر، فلا حاجة عندئذ للخرص، وإنما يحتاج إلى الخرص عند العجز عن الكيل، والثمر حينئذ على رؤوس النخل حين يطيب، وقبل أن يؤكل، وقوله: فحزر النخل، وهو الذي يدعونه أهل المدينة: الخرص؛ يدل على موافقة رواية مقسم لما صح من المراسيل في وقت الخرص، وهو