خبنة، ولا يخرص عليهم إلا قدر ما يظن أنه يؤول إليه كيلها، إذا يبست فصارت تمرا وزبيبا، وسواء في ذلك بلغ خمسة أوسق أو أكثر من ذلك، إنما يترك لهم ويخفف عنهم بقدر ما يأكلون، ويخرص عليهم ما يصير إلى الكيل إذا يبس، فإذا بلغ خمسة أوسق فصاعدا وجبت فيه الصدقة، وإن نقص من ذلك فلا صدقة فيه، … » إلى آخر ما قال.
وقال ابن زنجويه في الأموال (٢٠٠٦) حاكيا قول أبي عبيد (١٤٧٨) بتصرف يسير: «أحسن ما سمعنا في الخارص يخرص فيغلط فيزيد أو ينقص، أنه إن كان ذلك الغلط مما يتغابن الناس في مثله، ويغلطون به، فهو جائز، وإن كان أمرا فاحشا رد إلى الصواب، ولم يكن ذلك مفسدا للخرص، ولا دافعا له؛ لأن الغلط الفاحش لو وقع في الكيل [لكان] مردودا أيضا، كما يرد في الخرص، إلا أن يكون ما زاد أو نقص بقدر ما يكون بين الكيلين فيجوز حينئذ».
وقال الخطابي في المعالم (٢/٤٤): «في هذا الحديث إثبات الخرص والعمل به، وهو قول عامة أهل العلم؛ إلا ما روي عن الشعبي أنه قال: الخرص بدعة، وأنكر أصحاب الرأي الخرص، وقال بعضهم: إنما كان ذلك الخرص تخويفا للأكرة لئلا يخونوا؛ فأما أن يلزم به حكم فلا، وذلك أنه ظن وتخمين، وفيه غرر، وإنما كان جوازه قبل تحريم الربا والقمار.
قلت: العمل بالخرص ثابت، وتحريم الربا والقمار والميسر متقدم، وبقي الخرص يعمل به رسول الله ﷺ طول عمره، وعمل به أبو بكر وعمر ﵄ في زمانهما، وعامة الصحابة على تجويزه والعمل به، لم يذكر عن أحد منهم فيه خلاف.
فأما قولهم إنه ظن وتخمين؛ فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار الثمار، وإدراكه بالخرص، الذي هو نوع من المقادير والمعايير، كما يعلم ذلك بالمكاييل والموازين، وإن كان بعضها أحصر من بعض، وإنما هذا كإباحته الحكم بالاجتهاد عند عدم النص مع كونه معرضا للخطأ، وفي معناه تقويم المتلفات من طريق الاجتهاد، وباب الحكم بالظاهر باب واسع لا ينكره عالم.
قلت: وقد ذهب بعض العلماء في تأويل قوله: «دعوا الثلث أو الربع»، إلى أنه متروك لهم من عرض المال توسعة عليهم، فلو أخذوا باستيفاء الحق كله لأضر ذلك بهم، وقد يكون منها السقاطة وينتابها الطير ويخترفها الناس للأكل، فترك لهم الربع توسعة عليهم، وكان عمر بن الخطاب يأمر الخراص بذلك.
وبقول عمر قال أحمد وإسحاق، وذهب غير هؤلاء إلى أنه لا يترك لهم شيئا شائعا في جملة النخل، بل يفرد لهم نخلات معدودة، قد علم مقدار ثمرها بالخرص».
وقال ابن حزم في المحلى (٤/ ٦٧): «وأما التمر: ففرض على الخارص أن يترك له ما يأكل هو وأهله رطبا على السعة، لا يكلف عنه زكاة.
وهو قول الشافعي، والليث بن سعد، وقال مالك، وأبو حنيفة: لا يترك له شيئا.