للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

برهان صحة قولنا: حديث سهل بن أبي حثمة الذي ذكرنا قبل من قول رسول الله : «إذا خرصتم فخذوا أو دعوا الثلث أو الربع»، ولا يختلف القائلون بهذا الخبر - وهم أهل الحق الذين إجماعهم الإجماع المتبع - في أن هذا على قدر حاجتهم إلى الأكل رطباً.

وقال ابن عبد البر في التمهيد (٦/ ٤٦٨): «فإن تبين لرب المال بعد الخرص زيادة على ما خرص الخارص أداها؛ لأن الخرص حكم على الظاهر والاجتهاد، فإذا جاءت الحقيقة بخلاف ذلك رجع إليها، وفي هذا اختلاف بين السلف والخلف، والصواب ما ذكرت، والله أعلم».

وقال في الاستذكار (٣/ ٢٢٣): «وأما ما يأكله الرجل من ثمره وزرعه قبل الحصاد والجذاذ والقطاف، فقد اختلف العلماء: هل يحسب ذلك عليه أم لا؟ فقال مالك والثوري وأبو حنيفة وزفر: يحسب عليه.

وقال أبو يوسف ومحمد: إذا أكل صاحب الأرض، وأطعم جاره وصديقه، أخذ منه عشر ما بقي من الخمسة الأوسق التي فيها الزكاة، ولا يؤخذ مما أكل وأطعم، ولو أكل الخمسة الأوسق لم يجب عليه عشر؛ فإن بقي منها قليل أو كثير فعليه نصف ما بقي أو نصف العشر.

وقال الليث في زكاة الحبوب: يبدأ بها قبل النفقة، وما أكل كذلك هو وأهله فلا يحسب عليه، بمنزلة الرطب الذي ترك لأهل الحائط يأكلونه ولا يخرص عليهم.

وقال الشافعي: يترك الخارص لرب الحائط ما يأكله هو وأهله رطباً، لا يخرصه عليهم، وما أكله وهو رطب لم يحسب عليه».

قال ابن عبد البر: «احتج الشافعي ومن وافقه بقول الله تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]، واستدلوا على أنه لا يحسب المأكول قبل الحصاد بهذه الآية، واحتجوا بقوله : «إذا خرصتم فدعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع»، … ، وروى الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، قال: كان عمر بن الخطاب يأمر الخراص أن: اخرصوا وارفعوا عنهم قدر ما يأكلون.

ولم يعرف مالك قدر هذه الآثار»، وقد أطال ابن عبد البر في بسط المسألة، وختمها بقوله: «والظاهر مع الشافعي والآثار» [وقال نحوه في التمهيد (٦/ ٤٧١)].

وقال ابن رجب في القواعد (٢/٤٣): «القاعدة الحادية والسبعون: فيما يجوز الأكل منه من الأموال بغير إذن مستحقيها.

وهي نوعان: مملوك تعلق به حق الغير، ومملوك للغير.

فأما الأول؛ فهو مال الزكاة، فيجوز الأكل مما تتوق إليه النفوس، ويشق الانكفاف عنه من الثمار، بقدر ما يحتاج إليه من ذلك، ويطعم الأهل والضيفان، ولا يحتسب زكاته، وكذلك يجب على الخارص أن يدع في خرصه الثلث أو الربع بحسب ما يقتضيه الحال من كثرة الحاجة وقلتها؛ كما دلت عليه السنَّة، … ».

<<  <  ج: ص:  >  >>