به كفرٌ وحرامٌ لا تنعقد به اليمين، وهذا واضح، وبه صرَّح الرافعي أوائل «الأيمان»(١)، أما نفسُ هذا اللفظ فهل النطق به حرام؟ التحقيق أنَّ له ثلاثة أحوال:
إحداها: أن يقوله على قصد الرضا بالتهود وما في معناه، إذا فعل ذلك فهو كافرٌ في الحال، وهذا واضح، وبه صرَّح الرافعي (٢).
والثانية: أن يقصد تعظيم الإسلام، وإبعاد النفس عن التهود والتنصر، وأنه يُبعِدُ نفسَهُ عن المحلوف عليه كما يُبعدها عنهما، ولا ينبغي أن يكون هذا حرامًا، وإليه أشار الرافعي حيث قال بعد قوله:«المحلوف به حرام» بنحو سطرين: وقوله: "إن فعلت كذا فأنا يهودي" يتضمن تعظيم الإسلام، وإبعاد النفس عن التهود إلى قوله:«هذا إذا قَصَدَ تبعيد النفس عن ذلك»(٣).
وإلى الحالتين أشار صاحب (البحر) بقوله نقلًا عن القفال: «وإن حلف به في المستقبل وأراد الوعد بالتهود عند فعل ذلك الشيء كَفَرَ؛ لأنَّ مَنْ وعد أن يكفر فهو كافر، وإن أراد نفي الفعل، أي: لا أفعل هذا كما لا أتهود، فلا يَكفُر»(٤)، انتهى، وليس من لازم انتفاء الكفر انتفاء التحريم، بل لا يظهرُ للتحريم مع قصدِ التعظيم معنى.
وقد رفع مرَّةً إلى الوالد ﵀ وهو على قضاء الشام رجل قال في محاورة بينه وبين آخر:«لو جاءني جبريل ﵇ ما فعلت كذا»، فقال: لا يكفر؛ لأنه بهذه
(١) انظر: الشرح الكبير: (١٢/ ٢٣٦). (٢) انظر: الشرح الكبير: (١٢/ ٢٣٦). (٣) انظر: الشرح الكبير: (١٢/ ٢٣٦). (٤) لم أجده بلفظه في البحر، لكن يوجد ما يشبهه، انظر: بحر المذهب: (١٤/ ١٠٨)، النجم الوهاج: (٩/ ٨٠).