للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الرافعي (١): «إذ لا وجه لتضييعه، وفيه نظر للمسلمين، فإنه إذا بلغ أعطى الجزية»، انتهى.

وهذا الكلام يفهم أنه يُنفق عليه بالأصالة لا على سبيل القرض، وإلا لقال: إنه يُسترَدُّ منه، ويؤيده أنَّ الظاهر أنه يُجعل حينئذ كالمحكوم بإسلامه، وذاك يُنفق عليه بالأصالة، وحينئذ فهذا يناقض قوله في «باب السرقة» في أهل الذمة (٢): ولا نظر إلى إنفاق الإمام عليهم عند الحاجة؛ لأنه إنما ينفق للضرورة، وبشرط الضمان، انتهى. إلا أن يقال: كلامه في السرقة مقصور على غير اللقطاء، فأنت بين أمرين:

إما أن تحمل كلامه في اللقيط على أنَّ النفقة بمعنى القرض لا بمعنى التبرع المحض (٣)، ويكون محل الخلاف حينئذ في أنه هل يُقترض له من بيت المال أو من أهل الذمة؟ فأحد الوجهين من أهل الذمة؛ لأنَّ بيت المال مقصور على مصالح المسلمين، وليس هذا منهم، والثاني من بيت المال؛ لأنه من مصالحهم، فإنه إذا بلغ أَدَّى الجزية وإن كان يُسترَدُّ منه القرض أيضا.

وقد يُخرج وجهان في أنه هل يُنفق عليه من بيت المال قَرْضُ أو تبرع؛ لأنَّ أصحابنا قالوا فيمن أجرينا عليه حكم الإسلام فبلغ وأعرب عن الكفر: إِنَّا نسترجع ما أنفقنا عليه من بيت المال وإن تركناه على كفره، وقال بعض أصحابنا بخراسان: لا نسترجع؛ لأنَّ هذا الإنفاق كالتصدق عليه، ومن تصدَّقَ على كافر


(١) انظر: الشرح الكبير: (٦/ ٤٠٦).
(٢) انظر: الشرح الكبير: (١١/ ١٨٧).
(٣) قوله: (المحض) ليس في ظ ١، والمثبت من سائر النسخ.

<<  <   >  >>