فعل ذلك وكان ذلك نظراً منه له ولهم، وعلى ذلك حديث أبي سيارة المتعي أيضاً عندنا. وأما حديث سعد بن أبي ذباب، فإنه أخبرك أنه هو الذي قال لهم: في العسل زكاة، فإنه لا خير في مال لا يزكى، ولم يذكر أن عمر أمره بذلك [قلت: وكذلك لم يأمره به النبي ﷺ لما استعمله على قومه، ولا أبو بكر، وإنما فعل ذلك من قبل نفسه في عهد عمر]، فإنما وجه ذلك عندنا: أنه وإياهم هم الذين رأوا ذلك، وتطوعوا به، فقبله عمر منهم، كما قبل صدقة الخيل والرقيق من الذين تطوعوا بها، ورزقهم مثلها.
ومن أبين الحجج وأوضحها في العسل؛ أنه لا صدقة فيه: أنا لم نجد في شيء من الآثار أنه ليس فيما دون كذا من العسل صدقة، فإذا بلغ كذا وكذا ففيه كذا وكذا، كما وجدنا في العين والحرث والثمار والماشية، ولم نجد له ذكراً في كتب الصدقات».
وقال ابن المنذر في الإقناع (١/ ١٧٣): «وليس في العسل صدقة».
وقال ابن العربي في أحكام القرآن (٣/ ١٣٩): «المسألة السادسة: اتفق العلماء على أن العسل لا زكاة فيه، وإن كان مطعوماً مقتاتاً، ولكنه كما روي في ذكر النحل: ذباب غيث، وكما جاء في العنبر أنه شيء دسره البحر، فأحدهما يطير في الهواء، والآخر يطفو على الماء، وكلاهما في هذا الحكم سواء، وقد خص الله الزكاة بما خصها من الأموال المقتاتة، والأعيان النامية، حسبما بيناه منها في مواضعها فليقف عندها.
وقد روى مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أنه قال: جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبي، وهو بمنى ألا يأخذ من العسل ولا من الخيل صدقة.
وقد قال علماؤنا: إن العسل طعام يخرج من حيوان فلم يجب فيه الزكاة كاللبن، وليس هذا بشيء؛ فإن الأصل الذي يخرج منه اللبن عين زكاتية، وقد قضى حق النعمة فيه، وحاز الاستيفاء لمنافعها، بخلاف العسل، فإنه لا زكاة في أصله، فلا يصح اعتباره باللبن.
وقد قال أبو حنيفة: تجب الزكاة في العسل، محتجاً بما روي أن النبي ﷺ أخذ من العسل العشر. والحديث لا أصل له، اللهُمَّ إلا أن سعد بن أبي ذباب روى عنه أنه قال: قدمت على النبي ﷺ فقلت: يا رسول الله؛ اجعل لقومي ما أسلموا عليه من أموالهم، ففعل رسول الله ﷺ، واستعملني عليهم، ثم استعملني أبو بكر وعمر، قال: فكلمت قومي في العسل، فقلت لهم: زكوه، فإنه لا خير في ثمرة لا تزكى، قالوا: كم؟ فقلت: العشر، فأخذت منهم العشر، فأتيت عمر فأخبرته، فقبضه، وباعه، وجعله في صدقات المسلمين.
فإن صح هذا كان بطواعيتهم صدقة نافلة، وليس كلامنا في ذلك، وإنما نحن في فرض أصل الصدقة عليه، ولم يثبت ذلك فيه، وفيما ذكرناه كفاية، والله أعلم».