فيقال: كلاهما غريب، فالأول: غريب من حديث زياد بن خيثمة، والثاني: غريب من حديث الأعمش، ثم إنهما قد اختلفا؛ فجعله الأول من مسند زيد بن حارثة، وجعله الثاني من مسند ابنه أسامة، وزيادة في الاختلاف: كون القصة وقعت لشخص غير الآخر، وليست الواقعة لصحابي واحد، ثم إن كلا الحديثين مرسل، أما الأول: فلعدم الإدراك، وأما الثاني: فلشهرة أبي العالية بالإرسال، وصورته هنا مرسلة، لم يروه رواية وإنما حكاه حكاية، ولم يدرك أبو العالية هذه الواقعة، ولا يُعرف لأبي العالية رواية عن أسامة بن زيد في الكتب الستة، ولا في المسانيد العشرة، ولم يذكر له المزي رواية عن أسامة في تهذيب الكمال.
فإن قيل: ألا يتقوى حديث داود بن أبي هند عن أبي العالية بطريقيه، بحديث منصور عن الشعبي عن زيد بن حارثة بنحو حديث ابن عمر في قصة أبيه؟ لا سيما وهذه الأحاديث في معنى حديث عمر بن الخطاب، وحديث ابنه عبد الله.
فيقال: في النفس شيء من ذلك بسبب الغرابة في إسنادي حديث داود بن أبي هند، ثم إنهما واقعتان، أما الأولى: فقد ثبتت بأسانيد صحاح مشاهير، في الصحيحين وغيرهما:
رواها مالك، وعبيد الله بن عمر، وجويرية بن أسماء، والليث بن سعد، وشعيب بن أبي حمزة عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر حمل على فرس له في سبيل الله.
ورواها معمر بن راشد، وعقيل بن خالد، والأوزاعي: عن الزهري، عن سالم، عن أبيه؛ أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله.
ورواها مالك، وسفيان بن عيينة، وهشام بن سعد، وروح بن القاسم، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري، وخارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب، وهو يقول: حملتُ على فرس عتيق في سبيل الله.
وأما الأخرى: فلم يثبت فيها حديث، ولم يسلم لها إسناد مشهور متصل، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
والحاصل: فإنه لا يثبت هذا الحديث؛ لا من حديث زيد بن حارثة، ولا من حديث أسامة بن زيد، والله أعلم.
٣ - حديث عبد الله بن عمرو:
رواه عبد الله بن وهب [ثقة حافظ]، ورشدين بن سعد [ضعيف]:
عن عمرو بن الحارث [ثقة ثبت]؛ أن توبة بن نمر حدثه؛ أن أبا عفير عريف بن سريع [كذا في المسند، وفي التاريخ: عريف بني سريع] حدثه أن رجلاً سأل ابن عمرو بن العاصي، فقال: يتيم كان في حجري، تصدقت عليه بجارية، ثم مات وأنا وارثه، فقال له عبد الله بن عمرو: سأخبرك بما سمعت رسول الله ﷺ، حمل عمر بن الخطاب على فرس في سبيل الله، ثم وجد صاحبه قد أوقفه يبيعه، فأراد أن يشتريه، فسأل رسول الله ﷺ، فنهاه عنه، وقال:«إذا تصدقت بصدقة فأمضها».