ولا يثبت منها شيء، سوى حديث جرير بن عبد الله البجلي:
فقد روى محمد بن أبي إسماعيل، عن عبد الرحمن بن هلال، قال: قال جرير: أتى النبي ﷺ ناس من الأعراب، فقالوا: يا رسول الله، يأتينا ناس من مصدقيك يظلمون، قال:«أرضُوا مصدقيكم»، قالوا: وإن ظلم؟ قال:«أرضُوا مصدقيكم».
وهو حديث صحيح، أخرجه مسلم (٢٩/ ٩٨٩).
ورواه داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن جرير بن عبد الله، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يصدر المصدق عنكم إلا وهو راض».
وهو حديث صحيح، أخرجه مسلم (١٧٧/ ٩٨٩).
فإن هذا الحديث لا يعارض حديث أم سلمة، فإن حديث جرير في سؤال ناس من الأعراب، وحديث أم سلمة في سؤال رجل في بيت أم سلمة، في حضور أصحاب النبي ﷺ، والأقرب أنه ليس من أهل البادية، وقد نسب الأعراب في حديث جرير الظلم إلى مصدقي النبي ﷺ، وإلى فضلاء أصحابه، فإنه ما كان يستعمل على ذلك إلا أعلم الناس وأعدلهم، مثل عمر بن الخطاب وأبي بن كعب وغيرهما من علماء الصحابة، لكن لجهل الأعراب بحدود الله؛ ظنوا أن ذلك القدر الذي كانوا يأخذونه منهم هو ظلم، فقال لهم ﷺ:«أرضوا مصدقيكم»؛ أي: على زعمكم وظنكم، لا أن النبي ﷺ سوغ للعمال الظلم، ولا أنه أمر الأعراب بالانقياد لذلك؛ لما في ذلك من الإقرار على المنكر، والإغراء بالظلم، وذلك محال قطعاً، وإنما سلك النبي ﷺ مع هؤلاء هذا الطريق، دون أن يبين لهم أن ذلك الذي أخذه المصدّقون ليس ظلماً؛ لأن هذا يحتاج إلى تطويل وتقرير، وقد لا يفهم ذلك أكثرهم.
وفيه احتمال آخر، وهو أن النبي ﷺ لم يلتفت إلى نسبة الظلم إلى مصدقيه، ولم يقر الأعراب على دعواهم، ولو على سبيل التنزل مع الخصم، بل أعاد أمره بإرضاء المصدقين، لكونهم لا يظلمون، ولا يطلبون منهم فوق ما أمروا به، فهم محل ثقة وأمانة وعدالة؛ فلم يقرهم على دعواهم، والله أعلم.
وذلك بخلاف ما وقع في حديث أم سلمة، حيث سأل الرجل أولاً عن القدر الواجب عليه في صدقة التمر، ثم أخبر النبي ﷺ بأن العامل قد زاد شيئاً يسيراً، فكان جواب النبي ﷺ يتناسب مع هذه الواقعة، ثم هو إخبار منه ﷺ لما سيقع بعد زمنه من اعتداء بعض المصدقين، وأخذهم ما ليس لهم فيه حق، وكيف يتعامل المسلم حينها مع هذا الاعتداء، والله أعلم.
• ومما روي في فضل المصدّق إذا لم يعتد:
ما رواه إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير المدني [ثقة ثبت]، وإبراهيم بن سعد [ثقة حجة، أثبت الناس في ابن إسحاق، وعبد الرحيم بن سليمان [ثقة حافظ]، وعبدة بن سليمان [ثقة ثبت]، ومحمد بن فضيل [ثقة]، ويونس بن بكير صدوق]، ويزيد بن