نسخة كتاب رسول الله ﷺ التي كتب في الصدقة، وهو عند آل عمر بن الخطاب، قال ابن شهاب: أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله بن عبد الله بن عمر، وسالم بن عبد الله، حين أمر على المدينة، فأمر عماله بالعمل بها، وكتب بها إلى الوليد بن عبد الملك، فأمر الوليد بن عبد الملك عماله بالعمل بها، ثم لم يزل الخلفاء يأمرون بذلك بعده، ثم أمر بها هشام بن هانئ فنسخها إلى كل عامل من المسلمين وأمرهم بالعمل بها، ولا يتعدونها. وهذا كتاب تفسيرها: … فذكر الحديث.
ويتبين من رواية يونس أن الزهري ابتدأ الكلام بذكر نسخة كتاب رسول الله ﷺ الذي كتبه في الصدقة، وقدم ذكر الكتاب على الإسناد، وذلك يدل على صحة المعنى الذي ذكرناه في حديث أنس، من اعتنائهم بهذا الكتاب في الصدقة، وكأن في ذلك إشارة إلى أن الكتاب في هذا الموضع حيث إثبات الحقوق على أصحاب الأموال أثبت من الإسناد؛ لذا قدمه في الذكر؛ هذا أولاً، وثانياً: أن فيه نسبة هذا الكتاب إلى رسول الله ﷺ؛ لا إلى عمر بن الخطاب، وإنما آل الكتاب إلى آل عمر، وهذا يؤيد ما ذهب إليه الحاكم، في كون رواية يونس شاهدة على صحة رواية سفيان بن حسين، وأن كلا الحديثين مرفوع، وثالثاً: يبدو أنه أراد: بيان تحمله لهذا الكتاب، وأنه قد أقرأه إياه سالم بن عبد الله بن عمر، وكأنه عمد إلى عدم ذكر الإسناد فيه، ورابعاً: أن الزهري ذكر أن هذا الكتاب هو عين الكتاب الذي انتسخه عمر بن عبد العزيز من عبد الله بن عبد الله بن عمر، وسالم بن عبد الله، وخامساً: أنه أراد تثبيت نسبة هذا الكتاب إلى رسول الله ﷺ بما هو أعلى من ذلك، بأن عمر بن عبد العزيز قد انتسخه من ابني ابن عمر حين كان أميراً على المدينة، وكتب به إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك، فأمر الوليد بن عبد الملك عماله بالعمل به، ثم لم يزل الخلفاء يأمرون بذلك بعده، وهذه قرينة قوية على ثبوت العمل بهذا الكتاب من قبل الخلفاء، وهذا من أكبر الدلائل على كونه الكتاب الذي كتبه رسول الله ﷺ في الصدقات، وعليه خاتمه، وهو الذي كتبه أبو بكر لأنس حين وجهه إلى البحرين، ثم آل بعد ذلك إلى عمر فعمل به، ثم آل إلى آل عمر، وهل أكبر وأعلم في آل عمر من عبد الله بن عمر؟ والذي حمل عنه العلم بنوه، ومنهم سالم وعبد الله، ومولاه نافع، كما سيأتي بيانه في الأسانيد، فدل ذلك على أنه من حديث ابن عمر، والحاصل: أنه ما كان للخلفاء أن يعملوا بهذا الكتاب، إلا وقد ثبت لديهم بالدلائل القاطعة أنه كتاب رسول الله ﷺ في الصدقات، ومثل هذه القرينة تقوي العمل بالكتاب، دون الحاجة بعد ذلك إلى ذكر الإسناد فيه.
وعلى هذا فلو قلنا بأن الزهري حدث يونس بهذا، وحدث سفيان بن حسين وسليمان بن كثير باتصال إسناده إلى ابن عمر مرفوعاً فلا يبعد؛ لا سيما وقد حدث به معمر بن راشد - وهو من أثبت أصحابه - بغير إسناد.