* ومما يجعلنا نسلم لهم في أحكامهم، ولا ننازعهم فيها:
أ - اطلاعهم على أحوال الرجال، بشكل لا يتسنى لنا اليوم الوقوف عليه.
ب - أنهم ما قبلوا كل أحاديث الثقات؛ بل ردوا ما وهموا فيه، ولا ردوا كل أحاديث الضعفاء ممن خف ضبطهم، وهم في الأصل يشملهم اسم الصدق وتعاطي العلم، بل قبلوا ما حفظوه، فكيف يتساهل البعض بعد ذلك في قبول رواية الثقة مطلقاً، وإن دلت القرائن على وقوع الوهم في روايته، وعدم قبول رواية من كثر وهمه، وإن دلت القرائن على أنه حفظ … .» إلى آخر ما قلت في ذلك.
ومن القرائن الدالة على رد هذا الحديث بعينه من سلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن الإمام أحمد لما سأله ابنه عبد الله عن زكاة الحلي؛ لم يذكر شيئاً من أحاديث الباب المرفوعة، لا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولا حديث عائشة، ولا حديث أم سلمة، وإنما أفتى بأن لا زكاة فيه، واحتج في ذلك بأثر القاسم عن عائشة، وأثر علي بن سليم عن أنس، وأثر فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر [مسائل أحمد لابنه عبد الله (٦١٦ - ٦١٨)]، وهذا ظاهر في كونه لم يكن يثبت شيئاً من أحاديث الباب، مع كونه روى حديث عمرو بن شعيب في مسنده، ويؤكد ذلك رواية الفضل بن زياد القطان عنه، حيث قال:«سمعت أبا عبد الله، وسئل عن زكاة الحلي؟ فقال: يروى فيه عن خمسة من أصحاب النبي ﷺ؛ أنهم لا يرون في الحلي زكاة» [طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (٣/٣٥)]، وقال في رواية أبي طالب:«خمسة من أصحاب رسول الله ﷺ يقولون: ليس في الحلي زكاة، ويقولون: زكاته عاريته، فمن زكى الحلي فحسن، ومن لم يزك فليس عليه شيء» [زاد المسافر (٢/ ٣٩٦)] [وانظر: مسائل أحمد لابنه عبد الله (٦١٤ - ٦١٨)، ومسائل أبي داود (٥٤٩ و ٥٥٠)، ومسائل ابن هانئ (٥٦١)، ومسائل الكوسج (٥٧٣ و ٦٣١)، والانتصار (٣/ ١٣٩ و ١٦٣)، والمبدع لابن مفلح (٢/ ٣٧٥)].
مع العلم بأن أحمد ممن يعمل بالضعيف المحتمل غير المنكر، لكنه هنا أعرض عن هذه الأحاديث المرفوعة، وعمل بما صح واشتهر من الموقوف؛ مما له دلالة قوية على إنكار حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وبهذا يظهر بجلاء معنى قول الإمام أحمد في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:«أنا أكتب حديثه، وربما احتججنا به، وربما وجس في القلب منه شيء»، وقوله:«أصحاب الحديث إذا شاؤوا احتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وإذا شاؤوا تركوه».
وهذا هو ظاهر مسلك الشافعي في هذا الحديث، حيث رده الشافعي وضعفه، كما تقدم بيانه.
وكلام أحمد هنا في أحاديث عمرو بن شعيب: يمكن حمله على أن الضعف في حديثه وما يروى عنه من المناكير: إما من قبل من يروي عنه من الضعفاء، وإما من قبل