أسقط ذكر من روى عنهم من الصحابة، واكتفى بذكر شيوخه من التابعين، وأكثر روايته عن الصحابة بواسطة، مما يجعلنا نميل إلى تأويل رواية آدم بن أبي إياس التي جاء فيها عن حريز بن عثمان، بأن عبد الرحمن بن أبي عوف كان قد أدرك النبي ﷺ، وذلك لاحتمال سقوط ذكر الصحابي الموصوف بالإدراك من الإسناد، قال أبو نعيم:«عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي: من تابعي أهل الشام، ذكره بعض المتأخرين في الصحابة، وقال: قد أدرك النبي ﷺ، حكاه عن آدم بن أبي إياس، فقال: هو وهم»، كذا قال ابن منده، فلم يدع مجالا لتعقبه، فكأنه أورده في الصحابة ليرد هذا الزعم، ويضعفه، بتوهيم آدم بن أبي إياس في هذه الرواية، وقد أقره على ذلك التوهيم أبو نعيم [التاريخ الكبير (٥/ ٣٣٦)، والجرح والتعديل (٥/ ٢٧٤)، والثقات (٥/ ١٠٥)، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (٤/ ١٨٧١)، وغنية الملتمس (٣١٦)، وأسد الغابة (٣/ ٤٨٠)، وتاريخ الإسلام (٣/ ٨٨)، والإصابة (٥/ ٨٢)، والتهذيب (٢/ ٥٤١)].
لكن عندي قرينة قوية على إدراك عبد الرحمن بن أبي عوف للمقدام وسماعه منه، مع كون الأسانيد لم يرد فيها ما يدل على السماع، وهي طبقة حريز بن عثمان ووفاته، فإن حريز بن عثمان من الطبقة الخامسة، وكانت وفاته سنة (١٦٣)، كما أنه ولد سنة (٨٠)؛ يعني: قبل وفاة المقدام بسبع سنين، فإن كان حريز أدرك سبع سنين من حياة المقدام، فإدراك شيخه التابعي عبد الرحمن بن أبي عوف للمقدام وسماعه منه من باب أولى، وذلك لأمرين: الأول: أنهما تعاصرا بحمص، في بلد واحد، مما يمكن معه اللقاء والسماع، والثاني: أن الذهبي ترجم له في طبقة من توفي بين (١٠١ - ١١٠)؛ يعني: كان بين وفاته ووفاة المقدام ما يتراوح بين (١٤ - ٢٣) سنة، وهذا يعزز القول باللقاء، واحتمال السماع، لتعاصرهما في بلد واحد، فإذا وضعنا في الاعتبار عدم ذكر عبد الرحمن في المدلسين ولا فيمن يعرف عنه الإرسال، وأنه يذكر الواسطة بينه وبين الصحابة الذين لم يدركهم، زاد ما قلناه تأكيدا، وقرينة أخرى: وهي أنه إذا كان الحسن بن جابر [راوي نفس الحديث عن المقدام، كما في الطريق الآتية] متأخر الوفاة عن عبد الرحمن؛ حيث توفي الحسن سنة (١٢٨)، وقد ثبت سماعه من المقدام؛ فسماع عبد الرحمن بن أبي عوف [وهو قاضي البلد] من المقدام من باب أولى، كما أن ولاية القضاء ولاية دينية، ولصاحبها شهرة في بلده، فمثله لا يبعد لقاؤه بأهل العلم والفضل والصحبة من أهل بلده، والله أعلم.
• ورواه زيد بن الحباب، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن وهب، وأسد بن موسى، وعبد الله بن صالح [وهم ثقات، وأثبتهم ابن مهدي، وفي الأخير كلام يسير]:
عن معاوية بن صالح، قال: نا الحسن بن جابر، عن المقدام بن معدي كرب الكندي [وفي رواية زيد عند أحمد، وكذا في رواية ابن مهدي عند المروذي والخطيب: قال الحسن بن جابر: سمعت المقدام بن معدي كرب، كما ورد السماع أيضا عند الطبراني والحاكم والبيهقي من طريق عبد الله بن صالح، وقد أثبت سماع الحسن من المقدام: