ثم قال:«الجنب - بالتحريك - في السباق: أن يجنب فرساً إلى فرسه الذي يسابق عليه، فإذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب، وهو في الزكاة أن ينزل العامل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة، ثم يأمر بالأموال أن تجنب إليه: أي: تحضر، فنهوا عن ذلك. وقيل: هو أن يجنب رب المال بماله؛ أي: يبعده عن موضعه حتى يحتاج العامل إلى الإبعاد في اتباعه وطلبه».
وقال ابن قدامة في المغني (٩/ ٤٨٦) بعد نقل بعض الأقوال في الجنب: «قال ابن المنذر: كذا قيل، ولا أحسب هذا يصح؛ لأن الفرس التي يسابق عليها لا بد من تعيينها، فإن كانت التي يتحول عنها، فما حصل السبق بها، وإن كانت التي يتحول إليها، فما حصلت المسابقة بها في جميع الحلبة، ومن شرط السباق ذلك، ولأن هذا متى احتاج إلى التحول والاشتغال به فربما سبق باشتغاله لسرعة غيره، ولأن المقصود معرفة عدو الفرس في الحلبة كلها، فمتى كان إنما يركبه في آخر الحلبة، فما حصل المقصود».
وممن فسر الجلب والجنب بنحو ما تقدم في الرهان والصدقة: ابن المنذر في الإشراف (٤/ ١٧٥)، والبغوي في شرح السُّنَّة (١٠/ ٢٠٥)، والقاضي عياض في المشارق (١/ ١٤٩ و ١٥٥)، والعمراني في البيان (٣/ ٣٩٣) و (٧/ ٤٣٤)، وأبو موسى المديني في المجموع المغيث (١/ ٣٦١) و (٢/ ٤٢٥)، وابن قدامة في المغني (٩/ ٤٨٦)، وابن القيم في الفروسية (١٩٠ و ٤١٤)، وغيرها من كتب الفقه والشروح.
نرجع مرة أخرى إلى حديث عمران بن حصين في بيان السُّنَّة للقرآن؛ حيث جاء في معناه أحاديث كثيرة، ليس هذا موضع استقصائها، وسيعقد لها أبو داود باباً في آخر السنن، في كتاب السُّنَّة، باب في لزوم السُّنَّة، الأحاديث (٤٦٠٤ - ٤٦٠٨).
لكني أذكر منها أشبهها بحديث عمران بن حصين:
فقد روى عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، وعلي بن عياش الحمصي، وأبو اليمان الحكم بن نافع والوليد بن مسلم، وأبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الخولاني، ويزيد بن هارون، وعلي بن نصر الجهضمي، والحسن بن موسى الأشيب، ومحمد بن حمير السليحي الحمصي [وهم ثقات]:
عن حريز بن عثمان [حمصي ثقة ثبت من الخامسة، سمع عبد الرحمن بن أبي عوف]، عن عبد الرحمن بن أبي عوف، عن المقدام بن معدي كرب، عن رسول الله ﷺ أنه قال:«ألا إني أوتيت الكتاب، ومثله معه؛ ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السبع، ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه».
أخرجه أبو داود (٤٦٠٤)، وأحمد (٤/ ١٣٢)، والحسن بن موسى الأشيب في جزئه