تصحيح ضمني له، وقد توبع على ذلك، فأخرجه البخاري في صحيحه، وبين حجته في ذلك، وصرح الذهلي بكونه حديثاً محفوظاً، وأن مالكاً لم يهم فيه؛ كما ادعى بعضهم.
• وقال الدارقطني في الأحاديث التي خولف فيها مالك (٥١): «روى مالك، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن النبي ﷺ قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة … » الحديث.
رواه الوليد بن كثير، ومحمد بن إسحاق، فقالا: عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة، عن يحيى بن عمارة، وعباد بن تميم، عن أبي سعيد، عن النبي ﷺ بذلك».
فيقال: وأين هذان من مالك في الثقة والضبط والإتقان؟!، والقول: ما قاله الذهلي.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (١٣/ ١١٥)(٨/ ٢١٦ - ط الفرقان): «اتفق ابن إسحاق والوليد بن كثير على مخالفة مالك في هذا الحديث، فجعلاه عن محمد هذا عن يحيى بن عمارة، وعباد بن تميم عن أبي سعيد، وجعله مالك عن محمد عن أبيه عن أبي سعيد، وهو عند أكثر أهل العلم بالحديث: وهم من مالك، والله أعلم» [وانظر أيضاً: كلامه في الاستذكار (٣/ ١٢٥)، ويأتي نقله قريباً].
وقال أيضاً (٢٠/ ١٣٣)(١٢/ ٤٩٦ - ط الفرقان): «هذا حديث صحيح الإسناد عند جميع أهل الحديث، وأما حديث مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة، عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ في مثل هذا المتن: فخطأ في الإسناد، وإنما هذا الحديث محفوظ ليحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري».
قلت: لم أقف على من سبق ابن عبد البر في توهيم مالك صراحة؛ فإن قوله:«وهو عند أكثر أهل العلم بالحديث: وهم من مالك»؛ يقتضي أن جماعة من الأئمة النقاد قد وهموا مالكاً في حديث ابن أبي صعصعة هذا، ولم أقف على شيء من ذلك؛ إلا إذا اعتبر قول الدارقطني توهيماً لمالك، وهو إنما ذكر الاختلاف على شيخ مالك، ولم يصرح فيه بوهم مالك، واشتهار الحديث من طريق يحيى بن عمارة عن أبي سعيد، لا يعني أن غيره لم يحفظه عن أبي سعيد، بدليل أن ابن عبد البر نفسه قبل زيادة عباد بن تميم في الإسناد من قبل الوليد بن كثير وابن إسحاق، وأين هما من مالك في الضبط والحفظ والإتقان والتحري والاحتياط، وقد زاد مالك رجلاً آخر أيضاً؛ فلماذا نرد زيادته، ونقبل زيادة من هو دونه بكثير؟ فإذا قبلنا زيادة عباد بن تميم عن أبي سعيد، من طريق الوليد بن كثير وابن إسحاق، فلنقبل زيادة ابن أبي صعصعة عن أبي سعيد من طريق أثبت الناس وأحفظهم للحديث والإسناد، وأكثرهم احتياطاً في ترك الرواية إذا شك فيها، فلا شك أنه من الإنصاف لهذا الإمام الجليل الحافظ الضابط المتقن أن نقبل منه الزيادة؛ مثل ما قبلنا الزيادة ممن هو دونه، والله أعلم.