فإن قيل: عبد الله بن وهب: ثقة حافظ، لم يكن بذاك في ابن جريج، قال ابن معين:«عبد الله بن وهب ليس بذاك في ابن جريج، كان يستصغر» [الكامل (٤/ ٢٠٢). السير (٩/ ٢٢٣). الميزان (٢/ ٥٢١)]، فيقال: قد تابع ابن وهب في مروياته عن ابن جريج كثيراً من أصحاب ابن جريج المقدمين فيه، والذي يظهر لي: عدم رد روايته حتى تظهر لنا قرينة قوية تدل على ذلك، وقد سبق التنبيه مراراً على أن كثيراً من الطرق التي يعلقها الدارقطني لا تثبت عن أصحابها، ويحتاج الأمر فيها إلى التثبت، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
• وللتدليل على صحة ما ذكرت فإنني أذكر القارئ بحديث قريب العهد، تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (١٨٨٤):
فقد روى أبو معاوية محمد بن خازم، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: رمل رسول الله ﷺ في حجِّه وعُمَره، وأبو بكر، وعمر، وعثمان والخلفاء بعد.
وقد وهم أبو معاوية في وصله، وقد اشتهر المرسل الذي أُعل به:
فقد رواه سفيان الثوري، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرزاق بن همام، وأبو خالد الأحمر سليمان بن حيان، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، وسعيد بن سالم القداح:
عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء؛ أن رسول الله ﷺ سعى في عُمره كلها بالبيت وبين الصفا والمروة، وسعى أبو بكر عام حج إذ بعثه رسول الله ﷺ، ثم أبو بكر، وعمر، وعثمان والخلفاء، هلم جرا، يسعون كذلك.
أخرجه أبو داود في المراسيل (١٣٤)، والشافعي في الأم (٣/ ٤٤٥/ ١١٦٦ و ١١٦٧ و ١١٦٨)، وفي المسند (١٢٩)، وابن أبي شيبة (٨/ ١٠٣/ ١٤٠٦١)، والفاكهي في أخبار مكة (٢/ ٢٢١/ ١٣٩٤)، ومحمد بن نصر المروزي في السنة (١٢٢) و (١٢٣)، والبيهقي في المعرفة (٧/ ٢٢٣/ ٩٨٧٦ و ٩٨٧٧ و ٩٨٧٨). [التحفة (١٢/ ٤١٩/ ١٩٠٦٥)، المسند المصنف (١٢/ ٢٢٢/ ٥٨٥٦)].
فكيف يشتهر مثل هذا المرسل؟ بينما لا نجد طريقاً واحداً مسنداً في أحد المصنفات المشهورة لحديث: لم يرمل النبي ﷺ في السبع الذي أفاض فيه؛ والذي رواه حجاج، وروح، وعثمان بن عمر، عن ابن جريج عن عطاء مرسلاً، كما جاء في كلام الدارقطني! مع كونه أولى بأن يشتهر لو كان مرسلاً.
• وحجتي في قبول حديث ابن عباس، أن النبي ﷺ لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه: احتجاج هذا الجمع من الأئمة النقاد والمصنفين به، وتصحيحهم إياه، وعدم قيام قرينة قوية تدل على وهم ابن وهب فيه، مع استقامة متنه، والله أعلم.
وبناء على ما تقدم: فهو حديث صحيح، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.