عبد الله بن وهب، عن ابن جريج متصلاً. ورواه حجاج، وروح، وعثمان بن عمر، عن ابن جريج مرسلاً».
وقال الحاكم:«هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه».
قلت: هذا الحديث قد احتج به أبو داود والنسائي وابن خزيمة، وأبو عوانة، والبيهقي، على ترك الرمل في طواف الإفاضة، وصححه ابن خزيمة، وأبو عوانة، والحاكم، وقال ابن المنذر في الإشراف (٣/ ٣٦٧): «باب ترك الرمل في طواف الزيارة للقارن: ثبت أن رسول الله ﷺ لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه، ورمل لطوافه في حجته لما قدم مكة».
قلت: عبد الله بن وهب من أصحاب ابن جريج، وكثيراً ما يشارك الثقات من أثبت أصحاب ابن جريج في روايتهم، وممن أخرج لابن وهب عن ابن جريج: البخاري في صحيحه (١٢٦٠ و ١٢٦١ و ٢١٨٩ و ٤٨٩٥ و ٥٨٨٠ و ٧١٧٥)، ومسلم في صحيحه (٤٩٠ و ٨٩٩ و ٩٧٤ و ١٢٦٣ و ١٥٣٠ و ١٥٥٤ و ١٦٠٨ و ١٧١١ و ١٩٤١ و ٢١٠٢ و ٢٢٣٧)، وأبو داود، والترمذي والنسائي وابن ماجه، وأحمد في مسنده، وقد أكثر له النسائي عن ابن جريج، وأخرج له أيضاً من أصحاب الصحاح: ابن خزيمة، وأبو عوانة، وابن حبان، وابن الجارود، والحاكم، والأصل قبول روايته حتى يتبين لنا وقوع الوهم فيها، وأما ما ذكره الدارقطني من المخالفة بالإرسال؛ فإني لم أقف على شيء من ذلك، وغاية ما وجدته ما قاله ابن عبد البر في الاستذكار (٤/ ٣٦٠): «قال [يعني: عبد الرزاق:] وأخبرنا ابن جريج، قال عطاء: أفاض النبي ﷺ يوم النحر فلم يسمع في ذلك سبع بالبيت»، ثم قال:«يعني: لم يرمل، ولم يطف بين الصفا والمروة، إلا أن عطاء كان يقول: يطوف إن شاء»، كذا قال!
قلت: احتجاج جماعة النقاد السابق ذكرهم برواية ابن وهب هذه عن ابن جريج، وعدم تعقبها بشيء؛ يدل على كونها محفوظة عندهم، لاسيما ولم يورد النسائي فيها اختلافاً على ابن جريج، جرياً على عادته في ذلك، وهو إذا وجد من يخالف ابن وهب عن ابن جريج، أورد روايته وتكلم على الحديث بما يوجبه المقام فيه، مثل ما فعل في حديث عائشة في قصة إتيان النبي ﷺ أهل البقيع ليلاً ودعائه لهم [السنن الكبرى في باب الغيرة من كتاب عشرة النساء (٨/ ١٥٨ - ١٦٠/ ٨٨٦١ و ٨٨٦٢)]، فقد أورد حديث ابن وهب عن ابن جريج، ثم قال:«خالفه حجاج، فقال: عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن محمد بن قيس»، ثم أسنده، ثم قال:«حجاج بن محمد في ابن جريج: أثبت عندنا من ابن وهب»، فلو كان ابن وهب قد خولف في حديث الباب بالإرسال لما أغفل النسائي ذكر ذلك، والعجيب من الدارقطني أنه لما سئل عن حديث اختلف فيه حجاج وابن وهب على ابن جريج، رجح قول ابن وهب لكونه زاد رجلاً في الإسناد [انظر: علل الدارقطني (١٢/ ١٤١/ ٢٥٣٨)]، والله أعلم.