الناس في حرمتها، ولكن ارقعها، فقال ابن الزبير: والله ما يرضى أحدكم أن يرقع بيت أبيه وأمه، فكيف أرقع بيت الله سبحانه، وأنا أنظر إليه ينقض من أعلاه إلى أسفله، حتى أن الحمام ليقع عليه فتتناثر حجارته، وكان ممن أشار عليه بهدمها جابر بن عبد الله - وكان جاء معتمرا -، وعبيد بن عمير، وعبد الله بن صفوان بن أمية، فأقام أياما يشاور وينظر، ثم أجمع على هدمها، وكان يحب أن يكون هو الذي يردها على ما قال رسول الله ﷺ على قواعد إبراهيم، وعلى ما وصفه رسول الله ﷺ لعائشة ﵂ … ، إلى أن قال: فلما فرغ ابن الزبير من بناء الكعبة، خلقها من داخلها وخارجها، من أعلاها وأسفلها، وكساها القباطي، وقال: من كانت لي عليه طاعة فليخرج، فليعتمر من التنعيم، فمن قدر أن ينحر بدنة فليفعل، ومن لم يقدر على بدنة فليذبح شاة، ومن لم يقدر فليتصدق بقدر طوله، وخرج ماشيا، وخرج الناس معه مشاة، حتى اعتمروا من التنعيم؛ شكرا لله سبحانه، ولم ير يوم كان أكثر عتيقا، ولا أكثر بدنة منحورة، ولا شاة مذبوحة، ولا صدقة من ذلك اليوم، ونحر ابن الزبير مائة بدنة، فلما طاف بالكعبة استلم الأركان الأربعة جميعا، وقال: إنما كان ترك استلام هذين الركنين الشامي والغربي؛ لأن البيت لم يكن تاما، فلم يزل البيت على بناء ابن الزبير، إذا طاف به الطائف استلم الأركان جميعا، ويدخل البيت من هذا الباب، ويخرج من الباب الغربي، وأبوابه لاصقة بالأرض، حتى قتل ابن الزبير ﵀، ودخل الحجاج مكة، فكتب إلى عبد الملك بن مروان: إن ابن الزبير زاد في البيت ما ليس منه، وأحدث فيه بابا آخر، فكتب إليه يستأذنه في رد البيت على ما كان عليه في الجاهلية، فكتب إليه عبد الملك بن مروان أن سد بابها الغربي الذي كان فتح ابن الزبير، واهدم ما كان زاد فيها من الحجر، واكبسها به على ما كانت عليه، فهدم الحجاج منها ستة أذرع وشبرا مما يلي الحجر، وبناها على أساس قريش الذي كانت استقصرت عليه، وكبسها بما هدم منها، وسد الباب الذي في ظهرها، وترك سائرها لم يحرك منها شيئا، فكل شيء فيها اليوم بناء ابن الزبير إلا الجدر الذي في الحجر، فإنه بناء الحجاج، وسد الباب الذي في ظهرها، وما تحت عتبة الباب الشرقي الذي يدخل منه اليوم إلى الأرض أربعة أذرع وشبر، كل هذا بناء الحجاج، والدرجة التي في بطنها اليوم والبابان اللذان عليها اليوم هما أيضا من عمل الحجاج، فلما فرغ الحجاج من هذا كله، وفد بعد ذلك الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي على عبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: ما أظن أبا خبيب - يعني: ابن الزبير - سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمع منها في أمر الكعبة، فقال الحارث: أنا سمعته من عائشة، قال: سمعتها تقول ماذا؟ قال: سمعتها تقول: قال لي رسول الله ﷺ: «إن قومك استقصروا في بناء البيت، ولولا حداثة عهد قومك بالكفر أعدت فيه ما تركوا منه، فإن بدا لقومك أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه»، فأراها قريبا من سبعة أذرع، وقال رسول الله ﷺ:«وجعلت لها بابين موضوعين على الأرض: بابا شرقيا يدخل الناس منه، وبابا غربيا يخرج الناس منه»، قال عبد الملك بن مروان: أنت سمعتها