مجاهد، وطرح ما سوى ذلك؛ فإنه مما دلسه ولم يسمعه من مجاهد؛ فإنه لا يصح للأعمش عن مجاهد إلا أحاديث يسيرة، لا يثبت منها إلا ما قال فيها: سمعت، فهو قليل السماع من مجاهد، وعامة ما يرويه عن مجاهد: مدلس عن الضعفاء والمتروكين].
فإن قيل: ألست ممن يقول: كان شعبة لا يحمل عن شيوخه إلا ما سمعوه من شيوخهم؟
فيقال: نعم؛ لكن ثبت أن شعبة كان ينشط لتحمل الحديث عنهم لغرابته حتى لو لم يصرحوا بالسماع، وإن كان ذلك قليلاً [وضربت على ذلك مثالاً، فراجعه].
والذي جعلني لا أخذ هنا بتصحيح الترمذي وابن حبان والحاكم: أن الأعمش قد رواه عن مجاهد بواسطة أبي يحيى القتات، وهو مكثر عن مجاهد:
فقد رواه فضيل بن عياض [إمام، ثقة مأمون]، ويحيى بن عيسى الرملي [التميمي النهشلي الفاخوري، الكوفي: ليس بالقوي، قال أحمد: «ما أقرب حديثه»، وقال أبو معاوية: «اكتبوا عنه؛ فطالما رأيته عند الأعمش». التهذيب (١٤/ ٥٦٤)]:
عن سليمان الأعمش، عن أبي يحيى القتات عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: لو أن قطرة من زقوم جهنم أنزلت إلى الدنيا، لأفسدت على الناس معايشهم. لفظ يحيى [عند أسد، وابن أبي شيبة]. وزاد عند الطبري: وإن ناركم هذه لتَعوَّذُ من نار جهنم. [موقوفاً].
ولفظ فضيل [عند الخطيب بإسناد صحيح إليه، وهو عند عبد الله بن أحمد عن عبيد الله بن عمر القواريري عن الفضل به، إلا أنه لم يذكر المتن، واقتصر على طرفه لبيان إعلال حديث شعبة]: لو قطرت قطرة من الزقوم لأفسدت على أهل الأرض معايشهم، ولو أبرزت النار ما رآها أحد إلا مات. هكذا موقوفاً.
أخرجه أسد بن موسى في الزهد (٣٦)، وابن أبي شيبة (١٩/ ١٩٠/ ٣٦٨٥٥ - ط الشثري)، وابن أبي الدنيا في صفة النار (٧٩)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (١/ ٣٣٨)، وابن جرير الطبري في التفسير (١٩/ ٦٥١) و (٢١/ ٥٤)، والبيهقي في البعث (١١٢٤ - ط الحجاز)، والخطيب في تاريخ بغداد (١٢/ ٢٣٢). [الإتحاف (٨/١٤/٨٧٩٧)، المسند المصنف (١٣/ ٥٨٨/ ٦٦٨٧)].
قال الضياء في المختارة (١٣/ ٧٠): «وقد رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن عبيد الله القواريري، عن فضيل بن عياض، عن سليمان الأعمش، عن أبي يحيى، عن مجاهد. فلعل الأعمش سمعه من مجاهد، ومن أبي يحيى عنه، أو لعله كان يدلسه، والله أعلم».
قلت: هذا هو الأشبه بالصواب، لم يسمعه الأعمش من مجاهد، إنما أخذه عن أبي يحيى القتات. وأبو يحيى القتات مكثر عن مجاهد، لكنه ليس بالقوي، وقد مشاه جماعة [التهذيب (١٥/ ٧١٦)].
فهو موقوف على ابن عباس بإسناد لين.