قلت: إسناده منقطع، بل معضل، يحيى بن سعيد الأنصاري: لم يدرك عمر بن الخطاب، ولا كعب الأحبار، وقد اتصل من وجه آخر.
قال أبو داود في مسائله لأحمد (٨٤٩): سمعت أحمد سئل عن محرم ألقى جرادة في النار؟ فقال: قال عمر: «تمرة خير من جرادة».
قلت: كأن هذا هو أعلى ما وقف عليه أحمد، مما هو نظيف الإسناد، لاسيما وقد أخرجه مالك في الموطأ، وبه أخذ مالك، وإن كان في السند انقطاع، وقد ثبت عن عمر من وجوه أخر أنه قال:«تمرة خير من جرادة»، وقال:«درهمان خير من مائة جرادة»، ويأتي.
وقال القنازعي في تفسير الموطأ (٢/ ٦٦٩): «وبقول عمر أخذ مالك في الجراد إذا قتلها المحرم أن عليه جزاء مثل ما قتل، لأن الجراد من صيد البر».
• وانظر أيضاً فيمن رواه منقطعاً بنحو ما تقدم: ما أخرجه أشهب بن عبد العزيز في المدونة (١٩٩ - الرابع والخامس من كتاب الحج).
• وروى يحيى بن سعيد القطان [ثقة حجة، إمام ناقد]، عن ابن خثيم [عبد الله بن عثمان بن خثيم: مكي، صدوق]: أخبرني يوسف بن ماهك؛ أنه سمع عبد الله بن أبي عمار، يقول: أقبلت مع معاذ بن جبل وكعب ﵄ محرمين بعمرة من بيت المقدس، وأميرنا معاذ ﵁، وأمرنا إليه وهو يؤمنا، فلما كان ببعض الطريق تبرر معاذ ﵁ لحاجته، وخالفه رجل بحمار وحش قد عقره، فأخذه كعب، فأهداه إلى الرفقة، قال: فلم يرجع معاذ إلا وقدور القوم تغلي فيها منه، فسأل، فأخبر، فقال: لا يطيعني أحد إلا كفأ قدره، قال: فكفأ كعب والقوم قدورهم.
فلما كنا ببعض الطريق وكعب يصلي على نار، إذ مرت به رجل من جراد، فأخذ جرادتين فقتلهما ونسي إحرامه، ثم ذكر إحرامه فرمى بهما، فلما قدمنا المدينة دخل القوم على عمر ﵁، ودخلت معهم، فقال كعب كيف ترى يا أمير المؤمنين؟ فقص عليه قصة الجرادتين، قال: وما بأس بذلك يا كعب؟ قال: نعم، قال: إن حمير تحب الجراد، وماذا جعلت في نفسك؟ قال: درهمين، قال: درهمان خير من مائة جرادة، اجعل ما جعلت في نفسك.
أخرجه بهذا السياق: مسدد في مسنده (٧/ ٧٨/ ١٢٧٦ - مطالب).
وهذا إسناد صحيح، موقوفاً على معاذ بن جبل، وموقوفاً على عمر، ومقطوعاً على كعب الأحبار [تقدم تخريجه بطرف الإهلال قبل الميقات في فضل الرحيم الودود (٢٣/ ١٧٤١/ ٤٦٥)]
وفيه إقرار عمر بن الخطاب على أصل الفدية عن الجراد، وفيه ما يخالف ما روي عن كعب الأحبار أنه من صيد البحر، وإنما كان يراه من صيد البر، وأن الجرادة تُفدى بدرهم على قول كعب، وخالفه عمر.