قلت: حماد بن زيد: ثقة ثبت حافظ، وهو أثبت الناس في أيوب السختياني، لكنه لم يضبط هذا الحديث؛ لأمور:
• الأول: أن الثقات قد اختلفوا عليه في لفظه:
فمرة يقول: بودان، ومرة يقول: بقديد.
ومرة يقول: إذ أتاه الصعب بن جثامة أو رجل، هكذا على الشك، ومرة يقول: أتاه الصعب بن جثامة، بغير شك، ومرة يقول: أهدى له أعرابي، ومرة يبهم صاحب الهدية فيقول: أهدي إليه.
ومرة يقول: ببعض حمار وحش، ومرة يقول: ببعض لحم وحش، ومرة يقول: أهدى له أعرابي لحم صيد، ومرة يقول: أتي بلحم حمار وحشي، ومرة يقول: برجل حمار وحش، ومرة يقول: أهدي إليه بعض حمار.
• الثاني: أن حماد بن زيد بصري، متقن لحديث أهل البصرة، لكنه هنا يروي عن رجل مدني، وهو صالح بن كيسان، وهو تابعي، روى عنه جماعة من أئمة وثقات أهل المدينة ومكة، مثل: مالك، وإبراهيم بن سعد وابن جريج، وسليمان بن بلال، وسفيان بن عيينة، وأبي ضمرة أنس بن عياض، وعبد العزيز بن عبد الله الماجشون، وعبد العزيز الدراوردي، ومحمد بن عجلان، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق.
وعليه: فأهل الحجاز أولى بحديثه من الغرباء، وإبراهيم بن سعد الزهري: مدني، ثقة حجة، وحديثه هو المحفوظ.
• الثالث: أن رواية إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان في الصحيحين وغيرهما، ولم يخرجا شيئاً لحماد بن زيد عن صالح بن كيسان؛ إذ لم يكن من أصحابه.
• الرابع: أن مسلماً اقتصر على رواية إبراهيم بن سعد عن صالح، وأعرض عن رواية حماد بن زيد، ثم إن ابن عبد البر رجح رواية إبراهيم بن سعد، وقال: «وهو أولى بالصواب عند أهل العلم».
• والحاصل: فإن المحفوظ في إسناد هذا الحديث ومتنه: ما رواه إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب؛ أن عبيد الله بن عبد الله أخبره؛ أن ابن عباس أخبره؛ أن الصعب بن جثامة أخبره؛ أنه أهدى لرسول الله ﷺ حمار وحش، وهو بودان، فرده عليه، قال: فلما رأى ما في وجهي؛ قال: «إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرُم».
قال ابن عبد البر في التمهيد (٩/ ٥٥): «وروى حماد بن زيد هذا الحديث، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، عن الصعب بن جثامة، … »، فذكره من طريق سليمان بن حرب عن حماد، ثم قال: «هكذا قال حماد بن زيد عن صالح بن كيسان عن عبيد الله، لم يذكر ابن شهاب، وقال: بعض حمار، ذكره إسماعيل القاضي، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد.
وعند حماد بن زيد في هذا أيضاً إسناد آخر: عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس،