للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وهذا نهي، والنهي يقتضي التحريم، وفساد المنهي عنه.

فإن قيل: نبيه بن وهب ضعيف. قيل: نبيه ثقة صدوق من أهل المدينة، وكبار التابعين، وقد رواه أحمد عنه، ومالك في الموطأ، وقد قال أحمد في رواية المروذي: أذهب إلى حديث نبيه، وهو رجل من أهل المدينة، ثقة، ولا أعلم إلا خيراً. فإن قيل: نبيه لم يلق أبان بن عثمان. قيل: روى أبو بكر الحميدي في كتابه عن نبيه بن وهب: أنه سمع أبان بن عثمان يحدث عن أبيه [قلت: إثبات السماع في صحيح مسلم، وهو أولى بالإحالة عليه، وهذا يدل على أنه لقيه، ولو لم يلقه لم يضر؛ لأن أكثر ما فيه أنه مرسل، وهو حجة على المذهبين] [قلت: المرسل ليس بحجة على مذهب المحققين من المحدثين وأئمة النقاد].

ثم شرع في الرد على من فسر النكاح بالوطء، وأجاد في الرد على المخالف، وكان مما قال: «وجواب آخر: وهو: لو صح هذا في قوله: «لا يَنكِح»، لم يصح في قوله: «ولا يُنكِح»؛ لأن المراد به العقد، لا غيره، ولا يصح حمله على التمكين؛ لأن الولي لا يمكن من الوطء، وإنما المرأة هي التي تمكن من الوطء، وهي المطالبة بالتمكين دون الولي. ولأن الولي المحرم يجوز أن يمكن المنكوحة من الوطء، وهو إذا كان الزوج والمرأة حلالين، جاز للولي أن يقول لها: مكنيه من نفسك. ولا يصح حمله على المرأة بمعنى: لا تمكن من وطئها إذا كانت محرمة؛ لأن اللفظ لفظ تذكير، ولو كان المراد به المرأة لأورده بلفظ التأنيث. ولأن هذا يؤدي إلى حمل اللفظ على معنيين مختلفين في شخصين، وهو الجماع في حق الذكور، والتمهيد في حق النساء، ونحن نحمله على عقد النكاح. وجواب ثالث: وهو: أن في الخبر: «ولا يخطب» فلما قرن بالنهي عن الخطبة دل على أن المراد بقوله: «لا ينكح، ولا يُنكح» هو العقد … .

وجواب رابع: وهو: الراوي حمل ذلك على العقد، وهو ما روى نبيه بن وهب في هذا الحديث: أن عمر بن عبيد الله أراد أن يزوج ابنه طلحة بابنة شيبة بن جبير، فأرسل إلى أبان بن عثمان، وأبان يومئذ أمير الحاج، وهما محرمان: إني أردت أن أنكح طلحة ببنت شيبة، وأردت أن تحضر ذلك، فأنكر ذلك عليه أبان وقال: إني سمعت عثمان بن عفان، يقول: قال رسول الله : «لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب» … . إلى آخر ما قال، وفيه بعض المؤاخذات، مثل الاحتجاج بحديث أنس بن مالك، ولا يثبت، والمرفوع من حديث ابن عمر، والمحفوظ فيه الوقف، وادعاء إجماع الصحابة في المسألة، ولا يثبت فيها إجماع؛ فقد ثبت عن ابن عباس القول بإباحة نكاح المحرم، ثم شرع القاضي بعد ذلك في المسلك الجدلي في مناظرة الخصوم، وقد سبق أن قلت بأن المسألة هنا فيها دليل صريح من السنة، فإذا ثبت فلا وجه لمناظرة الخصوم بالقياس، وقد سلك في ذلك مسلك القدوري والماوردي، قال ابن بطال في شرح البخاري (٤/ ٥٠٨): «فإن الذين أفسدوا نكاح المحرم لم يفسدوه من جهة القياس والاستنباط؛ فتلزمهم المقاييس والنظائر

<<  <  ج: ص:  >  >>