هـ وقال الحاكم في المعرفة (١٢٧) بعد أن أسند حديث عثمان في النهي عن نكاح المحرم، وحديث أبي الشعثاء عن ابن عباس، أن النبي ﷺ نكح ميمونة وهو محرم، قال:«هكذا روي عن سعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، وطاووس بن كيسان، وعكرمة مولى ابن عباس، ومجاهد بن جبر، وعبد الله بن أبي مليكة، وغيرهم، عن عبد الله بن عباس، وكان سعيد بن المسيب ينكر هذا الحديث، وقد كان يزيد بن الأصم [كذا قال، وإنما هو سليمان بن يسار] يروي عن أبي رافع أنه كان يقول: كنت والله الرسول بين رسول الله ﷺ وميمونة، وما تزوجها إلا حلالاً. وقد خرجت علته في كتاب الإكليل في عمرة القضاء بتفصيله وشرحه حتى لقد شفيت»، يعني: حديث مطر الوراق.
وقال ابن رجب في شرح علل الترمذي (١/ ٤٣٧ - ت. همام سعيد): «وقال ابن المبارك: ومن يسلم من الوهم، وقد وهمت عائشة جماعة من الصحابة في رواياتهم للحديث وقد جمع جزءاً في ذلك. ووهم سعيد بن المسيب ابن عباس في قوله: تزوج النبي ﷺ ميمونة وهو محرم».
* قلت: وقد عُدَّ على ابن عباس أوهام خالف فيها الصحابة اجتهاداً منه، أو لخفاء السنة عليه، مثل: صلاة السبحة في السفر كالحضر، وإيجابه الفسخ على كل من أهل بالحج مفرداً، وقوله بأنه لا ربا إلا في النسيئة وأنه لا ربا فيما كان يداً بيد [راجع: صحيح البخاري (٢١٧٨ و ٢١٧٩). صحيح مسلم (١٥٩٦)]، وخفاء تحريم متعة النساء عليه حتى أعلمه علي بن أبي طالب بتحريمها، وأغلظ له القول، وكان مما قال له:«إنك رجل تائه» [راجع: صحيح البخاري (٥١١٥) و (٦٩٦١). صحيح مسلم (١٤٠٧). مستخرج أبي عوانة (٣/٢٨/٤٠٧٩)]، وقوله اجتهاداً منه: الطواف صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام، واجتهاده بتعزير من أتى حائضاً بأن يتصدق بدينار أو بنصف دينار [راجع: فضل الرحيم الودود (٣/ ٢٥٤/ ٢٦٤)]، واجتهاده في الجمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر، وقوله بعدم قراءة الإمام في السرية، وتصرفه في رواية قصة مبيته عند خالته ميمونة على وجوه من الحذف والإثبات والتقديم والتأخير حتى يتخيل السامع أنها وقائع متعددة، وإنما هي واقعة واحدة تصرف في حكايتها ابن عباس على وجوه متغايرة، ومعان مختلفة، ولعله كان له في ذلك معنى أراد اختصاص صاحبه به حين حدثه بالواقعة، ولعل تحمله للحديث وهو صغير السن كان له أيضاً أثر في هذا [راجع: تخريجه والكلام عليه في فضل الرحيم الودود (١٣٥٣ - ١٣٦٧)]، وغير ذلك، والله أعلم.
• ومما قلت فيما يتعلق بهذه المسألة:
ومثل: خفاء كون النبي ﷺ تزوج ميمونة وهو حلال، فأخطأ ابن عباس، وقال: تزوجها وهو محرم، وهمه في ذلك سعيد بن المسيب، روي عنه ذلك من وجوه متعددة، قال في أحدها:«وهِلَ ابنُ عباس - وإن كانت خالته -، ما تزوجها رسول الله ﷺ إلا بعد ما أحل»، وقال أحمد بن حنبل: «قال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس، وميمونة تقول: