النبي ﷺ كان إذا أراد أن يحرم ادهن [قلت: ولا يثبت رفعه، إنما هو موقوف على ابن عمر]، كما أخبرت عائشة أنه كان يتطيب لحرمه قبل أن يحرم. «وإنما اختلفوا في استبقائه، فلما استبقاه ابن عمر وهو ممن لا يرى استبقاء الطيب علم أنه ليس مثله».
وقال ابن القيم في تهذيب السنن (١/ ٣٤٣ - ط عطاآت العلم): «حديث ابن عمر هذا فيه أحكام عديدة:
الحكم الأول: أنه ﷺ سئل عما يلبس وهو غير محصور، فأجاب بما لا يلبس لحصره. فعلم أن غيره على الإباحة، ونبه بالقميص على ما فصل للبدن كله، من جبة أو دلق أو دراعة أو عرقشين ونحوه. ونبه بالعمامة على كل ساتر للرأس معتاد كالقبع والطاقية والقلنسوة والكلتة ونحوها. ونبه بالبرنس على المحيط بالرأس والبدن جميعا، كالغفارة ونحوها. ونبه بالسراويل على المفصل على الأسافل، كالتبان ونحوه. ونبه بالخفين على ما في معناهما من الجرموق والجورب والزربول ذي الساق ونحوه.
الحكم الثاني: أنه منعه من الثوب المصبوغ بالورس أو الزعفران، وليس هذا لكونه طيبا، فإن الطيب في غير الورس والزعفران أشد، ولأنه خصه بالثوب دون البدن. وإنما هذا من أوصاف الثوب الذي يحرم فيه، أن لا يكون مصبوغا بورس ولا زعفران، وقد نهي أن يتزعفر الرجل، وهذا منهي عنه خارج الإحرام، وفي الإحرام أشد، والنبي ﷺ لم يتعرض هنا إلا لأوصاف الملبوس، لا لبيان جميع محظورات الإحرام»، ثم ذكر الحكم الثالث والرابع، وقد سبق نقل كلامه عندما عند التعقيب على حديث ابن عمر، تحت الحديث رقم (١٨٢٩).
وقال ابن حجر في الفتح (٣/ ٤٠٢): «قوله: المحرم، أجمعوا على أن المراد به هنا الرجل، ولا يلتحق به المرأة في ذلك، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن للمرأة لبس جميع ما ذكر، وإنما تشترك مع الرجل في منع الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس»، … إلى أن قال:«والمراد بتحريم المخيط: ما يلبس على الموضع الذي جعل له، ولو في بعض البدن، فأما لو ارتدى بالقميص مثلا فلا بأس، وقال الخطابي: ذكر العمامة والبرنس معا ليدل على أنه لا يجوز تغطية الرأس لا بالمعتاد ولا بالنادر، قال: ومن النادر المكتل يحمله على رأسه. قلت: إن أراد أنه يجعله على رأسه كلابس القبع صح ما قال، وإلا فمجرد وضعه على رأسه على هيئة الحامل لحاجته لا يضر على مذهبه، ومما لا يضر أيضا: الانغماس في الماء، فإنه لا يسمى لابسا، وكذا ستر الرأس باليد».
وقال أيضا (٣/ ٤٠٤): «قال العلماء: والحكمة في منع المحرم من اللباس والطيب البعد عن الترفه، والاتصاف بصفة الخاشع، وليتذكر بالتجرد القدوم على ربه، فيكون أقرب إلى مراقبته، وامتناعه من ارتكاب المحظورات».
ثم قال:«قوله: «ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس»؛ قيل: عدل عن طريقة ما تقدم ذكره إشارة إلى اشتراك الرجال والنساء في ذلك وفيه نظر بل الظاهر أن نكتة