الإفاضة»، ثم احتج على المخالف بحديث الفضل بن عباس، وأسامة بن زيد، وابن مسعود، وبما ثبت عن: ميمونة، وابن مسعود، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب.
ثم أسند بإسناد صحيح إلى إبراهيم بن يزيد النخعي، أنه ذكر عنده: إذا قدم الحاج أمسك عن التلبية ما دام يطوف بالبيت؟ فقال إبراهيم:«لا، بل يلبي قبل الطواف، وفي الطواف، وبعد الطواف، ولا يقطعها حتى يرمي الجمرة»، ثم قال ابن حزم:«وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد وإسحاق وأبي سليمان؛ إلا أن أبا حنيفة، والشافعي، قالا: يقطع التلبية مع أول حصاة يرميها في الجمرة، وليس كذلك بل مع آخر حصاة من الجمرة لأنه نص فعل رسول الله ﷺ، كما حكى ابن عباس، وأسامة: أنه ﵇ لبى حتى رمى جمرة العقبة، ولو كان ما قاله أبو حنيفة والشافعي لقالا: حتى بدأ رمي جمرة العقبة، … ، وهو المفهوم الظاهر من فعل كل من ذكرنا من الصحابة ﵃.
وقال قوم منهم مالك: إن الحاج يقطع التلبية إذا طاف بالبيت، وبالصفا والمروة، فإذا أتم ذلك عاودها. وقال أبو حنيفة، والشافعي: لا يقطعها. وهذا هو الحق؛ لما ذكرنا من أن النبي ﷺ لبى حتى رمى جمرة العقبة، ثم أسند حديث حاتم بن إسماعيل: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه؛ أن جابر بن عبد الله أخبره، … فذكر حديث حجة النبي ﷺ، وقال: فأهل رسول الله ﷺ بالتوحيد: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك»، فأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد عليهم رسول الله ﷺ شيئاً منه، ولزم رسول الله ﷺ تلبيته، قال ابن حزم: فصح أنه ﵇ لم يقطعها، ومن طريق سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن أبي وائل عن مسروق؛ أنه رأى عبد الله بن مسعود طاف بالبيت سبعاً ثم خرج إلى الصفا، قال: فقلت له: يا أبا عبد الرحمن إن ناساً ينهون عن الإهلال في هذا المكان؟ فقال: لكني آمرك به، وذكر باقي الخبر، … ».
وقال ابن عبد البر في التمهيد (١٣/ ٧٥): «فقال قوم من العلماء بهذه الأحاديث، قالوا: جائز قطع التلبية للحاج إذا راح من منى إلى عرفة فيهلل ويكبر ولا يلبي، واستحبوا ذلك، قالوا: وإن أخر قطع التلبية إلى زوال الشمس بعرفة؛ فحسن ليس به بأس، وأما عبد الله بن عمر: فكان يقطع التلبية في رواحه من منى إلى عرفة، وروى مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا غدا من منى إلى عرفة قطع التلبية، وروى حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يلبي حين يغدو من منى إلى عرفة، وروى ابن علية عن أيوب عن بكر بن عبد الله المزني عن ابن عمر قال: إذا أصبحت غادياً من منى إلى عرفة فأمسك عن التلبية فإنما هو التكبير، وذكر إسماعيل القاضي، قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا جرير بن حازم، قال: غدونا من منى إلى عرفة مع نافع، فكان يكبر أحياناً ويلبي أحياناً»، ثم ذكر ما أسند مالك من أثر ابن عمر، وما كان في معناه من آثار عن الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح، وعمر بن عبد العزيز، وأبي جعفر الباقر، ثم قال:«فهذا كله وجه واحد، وقول واحد».