الصحابة يتمتعون باليهوديات، وأيضاً فيقال كما تقدم: لم يقع في الحديث التصريح بأنهم استمتعوا في خيبر، وإنما فيه مجرد النهي، فيؤخذ منه: أن التمتع من النساء كان حلالاً، وسبب تحليله ما تقدم في حديث ابن مسعود حيث قال: كنا نغزو وليس لنا شيء، ثم قال: فرخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب، فأشار إلى سبب ذلك وهو الحاجة مع قلة الشيء، وكذا في حديث سهل بن سعد الذي أخرجه ابن عبد البر بلفظ: إنما رخص النبي ﷺ في المتعة لعزبة كانت بالناس شديدة، ثم نهى عنها، فلما فتحت خيبر وسع عليهم من المال ومن السبي فناسب النهي عن المتعة لارتفاع سبب الإباحة، وكان ذلك من تمام شكر نعمة الله على التوسعة بعد الضيق، أو كانت الإباحة إنما تقع في المغازي التي يكون في المسافة إليها بعد ومشقة، وخيبر بخلاف ذلك؛ لأنها بقرب المدينة فوقع النهي عن المتعة فيها إشارة إلى ذلك من غير تقدم إذن فيها، ثم لما عادوا إلى سفرة بعيدة المدة وهي غزاة الفتح وشقت عليهم العزوبة أذن لهم في المتعة لكن مقيداً بثلاثة أيام فقط دفعاً للحاجة ثم نهاهم بعد انقضائها عنها، كما سيأتي من رواية سلمة، وهكذا يجاب عن كل سفرة ثبت فيها النهي بعد الإذن، وأما حجة الوداع فالذي يظهر أنه وقع فيها النهي مجرداً - إن ثبت الخبر في ذلك - لأن الصحابة حجوا فيها بنسائهم بعد أن وسع عليهم، فلم يكونوا في شدة ولا طول عزبة، وإلا فمخرج حديث سبرة راويه هو من طريق ابنه الربيع عنه، وقد اختلف عليه في تعيينها، والحديث واحد في قصة واحدة، فتعين الترجيح، والطريق التي أخرجها مسلم مصرحة بأنها في زمن الفتح أرجح، فتعين المصير إليها، والله أعلم».
وبعد هذا العرض الطويل لطرق حديث سبرة بن معبد؛ فيقال:
هل يحتمل من عبد العزيز بن عمر الجمع بين طرفين في حديث سبرة بن معبد، طرف قصة سراقة بعسفان، وطرف تحريم نكاح المتعة؟
لاسيما وقد روى الحديث عن الربيع بن سبرة عن أبيه بدون طرف قصة سراقة: جماعة من الحفاظ والثقات الأثبات وغيرهم، منهم: ابن شهاب الزهري، والليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، وعمر بن عبد العزيز، وعمارة بن غزية، وعبد العزيز بن الربيع بن سبرة بن معبد، وعبد الملك بن الربيع بن سبرة، وأكثرهم قال فيه: عام الفتح.
وقد قلت هناك: فقد أدخل عبد العزيز بن عمر حديثاً على حديث، حيث إن قصة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي إنما كانت في حجة الوداع قولاً واحداً، لكن التبست عليه قصة سبرة بن معبد في نسخ نكاح المتعة، فحسبها في حجة الوداع، فساقهما مساقاً واحداً، وقد روى الحفاظ نسخ نكاح المتعة عن الربيع بن سبرة عن أبيه، فجعلوه عام الفتح، وهو الصواب، فنحن نثبت كلا الحديثين، لكن لكل واقعة زمان، ولذلك فإن مسلماً لما أخرج حديث ابن نمير وعبدة بن سليمان عن عبد العزيز، اقتصر منه على طرف متعة النساء، وحذف منه عمداً التأريخ، والله أعلم.