قلت: ما ذهب إليه العقيلي أشبه بالنقد الصحيح، فإن حميد بن أبي حميد الطويل كثير الأصحاب، قد روى عنه خلائق، يطول المقام بتسمية الثقات منهم، فقد روى عنه جهابذة الثقات، وكبار الحفاظ الأثبات وأعيان الطبقة السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة، على اختلاف بلدانهم، وتباعد أقطارهم، وقد تقدم معنا قريباً حديث حميد، عن أنس؛ أن رسول الله ﷺ لبي بعمرة وحج، قال: فقال: «لبيك بعمرة وحج» معاً [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (١٧٧٤)]، وقد رواه بطرقه عن حميد ما يقرب من خمسة وثلاثين رجلاً، وحميد قد عمر، وعاش ما يقرب من (٧٥) عاماً؛ فيدركه السابق واللاحق، وقد عد المزي فيمن روى عنه ما يزيد على سبعين راوياً، ويفوته كثير، فكيف ينفرد عن حميد دونهم جميعاً: سليمان بن كثير العبدي، وقد تُكلّم فيه؛ فهو حديث غريب، أعرض عنه أصحاب الصحاح والسنن والمصنفات والمسانيد، وأعله العقيلي بالتفرد، ولم يذكر فيه حميد سماعاً من زينب، ولا يُعرف لزينب بنت نبيط سماع من ضباعة؛ فالله أعلم.
• وقد روي هذا الحديث من طرق أخرى من مسند ضباعة، ولا يثبت شيء من ذلك، إنما هي أوهام، أو مناكير وغرائب، أو تقصير من الراوي، أو لا تصح أسانيدها، وقد تقدم ذكر ذلك في موضعه، ومن ذلك:
• ما رواه يحيى الحماني: حدثنا عباد بن العوام: حدثنا هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس ﵄، قال: قالت ضباعة.
• وما رواه أبو عاصم النبيل، عن حجاج الصواف قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ضباعة.
• وما رواه الأوزاعي، عن عبد الكريم الجزري، قال: حدثني من سمع ابن عباس، يقول: حدثتني ضباعة.
• وما رواه عبيد الله بن عمرو الرقي، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، قال: حدثني مولى لضباعة ابنة الزبير، عن ضباعة.
• وما رواه عبد الوارث بن سعيد حدثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن ضباعة.
• وما رواه وكيع بن الجراح، ومحمد بن فضيل، ويحيى بن أبي زكريا الغساني: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ضباعة.
• وما رواه محمد بن كثير العبدي: حدثنا سفيان الثوري، عن هشام بن عروة، عن عروة، عن ضباعة.
• وما رواه حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ضباعة.
• والحاصل: فإن ضباعة بنت الزبير، وإن كانت هي صاحبة هذه الواقعة؛ إلا أن هذا الحديث لا يثبت من مسندها، وإنما روى قصتها من الصحابة: عائشة، وابن عباس، وأم سلمة، وأسماء بنت أبي بكر أو سُعدى بنت عوف، والله أعلم.