وقال مالك: يؤكل من الهدي الذي ساقه لفساد حجه، ولفوات الحج، ومن هدي المتمتع، ومن الهدي كله إلا فدية الأذى، وجزاء الصيد، وما نذره للمساكين.
وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: لا يؤكل من النذر ولا من جزاء الصيد ويؤكل ما سوى ذلك، وروي ذلك عن ابن عمر. وعند أصحاب الرأي: يأكل من هدي المتعة وهدي القران وهدي التطوع، لا يأكل مما سواهما».
وقال الخطابي في أعلام الحديث (٢/ ٨٩٦): يريد: لا يعطي منها في أجرة الجزار شيئاً؛ لأن الأجرة في معنى البيع ولا مدخل للبيع في شيء من الهدي، إنما هو: ليتصدق به، أو يؤكل، أو يهدى والجزارة: اسم لما يجزر، كالسقاطة والنشارة: اسم لما يسقط من الشيء، ولما ينشر من الخشب وغيره.
وقال البيهقي في المعرفة (٧/ ٥٢٦): « … وفي بعض طرق هذا الحديث: أنه أمره بقسمتها في المساكين، وإذا جمعنا بين هذا وبين حديث جابر كان هذا فيما عدا ما أكلا منها، أو كان ذلك في وقت آخر، والله أعلم».
وقال البغوي في شرح السنة (٧/ ١٨٨): فيه دليل على أن ما ذبحه قربة إلى الله تعالى لا يجوز بيع شيء منه، فإنه ﵇ لم يجوز أن يعطي الجزار شيئاً من لحم هديه، لأنه يعطيه بمقابلة عمله، وكذلك كل ما ذبحه الله ﷾ من أضحية، وعقيقة، ونحوها.
وهذا إذا أعطاه على معنى الأجرة، فأما أن يتصدق عليه بشيء منه، فلا بأس به، هذا قول أكثر أهل العلم، وقال الحسن البصري: لا بأس أن يعطي الجازر الجلد، وكان ابن عمر لا يشق من الجلال إلا موضع السنام، وإذا نحرها نزع جلالها مخافة أن يفسدها الدم، ثم يتصدق بها.
وقال مالك: عن نافع، عن ابن عمر ﵄، إنه كان يجلل بدنه القباطي، والأنماط، والحلل، ثم يبعث بها إلى الكعبة، فيكسوها.
وسأل مالك عبد الله بن دينار: ما كان عبد الله بن عمر يصنع بجلال بدنه حين كسيت الكعبة هذه الكسوة؟ فقال: كان يتصدق بها.
وقال ابن حجر في الفتح (٣/ ٥٥٦): (قوله: لحومها وجلودها وجلالها، زاد ابن خزيمة من هذا الوجه في روايته على المساكين قوله: ولا يعطي في جزارتها شيئاً. زاد مسلم وابن خزيمة ولا يعطي في جزارتها منها شيئاً. قال ابن خزيمة: المراد بقوله: يقسمها كلها على المساكين؛ إلا ما أمر به من كل بدنة ببضعة فطبخت؛ كما في حديث جابر، عند مسلم، كما تقدم التنبيه عليه. قال: والنهي عن إعطاء الجزار، المراد به أن لا يعطى منها عن أجرته، وكذا قال البغوي في شرح السنة، قال: وأما إذا أعطي أجرته كاملة، ثم تصدق عليه؛ إذا كان فقيراً كما يتصدق على الفقراء فلا بأس بذلك، وقال غيره: إعطاء الجزار على سبيل الأجرة ممنوع لكونه معاوضة وأما إعطاؤه صدقة أو هدية أو زيادة على حقه فالقياس الجواز، ولكن إطلاق الشارع ذلك قد يفهم منه منع الصدقة لئلا تقع