وحاصل ما تقدم: فإن المحفوظ في هذا الحديث: هو ما رواه الإمام الحافظ الحجة الناقد: يحيى بن سعيد القطان، عن ابن جريج، قال: حدثني عبد الرحمن بن سابط مرسلاً.
فلا يغتر بما رواه أبو خالد الأحمر، وأبو هشام الرفاعي، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر موصولاً.
وهذا وإن كان ظاهر إسناده الصحة؛ فلا نملك إلا أن نقلد البخاري فيما ذهب إليه ونسلم له في ذلك، وإن لم يظهر لنا وجه تضعيفه، فكيف وقد ظهر لنا أنها رواية مردودة، وأن المحفوظ ما رواه القطان عن ابن جريج مرسلاً.
وينبغي لطالب العلم أن ينزل هؤلاء الجهابذة النقاد منازلهم، وأن يلزم التسليم لهم، والقبول بأحكامهم، فإن لهم من البصيرة والدراية بأحوال الرواية ما لا نستطيع الوقوف عليه، ومن عاصر التدوين، وأدرك عصر الرواية في أوج شأنها لهو أدرى بما يقول، وأعرف منا بأصول الرواية والنقد، وقد قلت في مقدمة كتابي هذا «فضل الرحيم الودود»(١/١٠): «وقد يحكم الأئمة على حديث ما بإعلاله بما لم تظهر لنا علته، أو يشيرون إلى علة خفية في الحديث يصعب إدراكها، فيجب حينئذ المصير إلى أقوالهم إذا اتفقوا، فإن اتفاق المحدثين على شيء يكون حجة [المراسيل لابن أبي حاتم (٧٠٣)] لا ينبغي لأحد مخالفتها كائناً من كان، وأما إذا اختلفوا فحينئذ نرجح بين أقوالهم على مقتضى قواعدهم وطرقهم في الإعلال، ولا ينبغي لنا أن نحدث قولاً جديداً لم نسبق إليه، … ، بل نقول بقولهم إذا اتفقوا، ونرجح بين أقوالهم إذا اختلفوا، ولابن حجر في هذا كلام نفيس أسوقه لفائدته في هذا الموطن، فإنه لما نقل كلام الأئمة في إعلال حديث أبي هريرة في كفارة المجلس [مخرج في الذكر والدعاء برقم (٣٠٠)]، وهو حديث مروي بإسناد ظاهره الصحة، قال:«وبهذا التقرير يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين، وشدة فحصهم، وقوة بحثهم، وصحة نظرهم، وتقدمهم؛ بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك، والتسليم لهم فيه، وكل من حكم بصحة الحديث مع ذلك إنما مشى فيه على ظاهر الإسناد» [النكت على ابن الصلاح (٢/ ٧٢٦)].
* * *
١٧٦٨ - قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل: حدثنا هشيم: أخبرنا يونس: أخبرني زياد بن جبير قال: كنت مع ابن عمر بمنى، فمر برجل وهو ينحر بدنته وهي باركة، فقال: ابعثها قياماً مقيدة؛ سنة محمد ﷺ.
حديث متفق على صحته
أخرجه أحمد (٢/٣)، وعنه: أبو داود (١٧٦٨)، ومن طريقه: أبو نعيم في مستخرجه على مسلم (٣/ ٣٩٤/ ٣٠٤٦). [التحفة (٥/ ٧٦/ ٦٧٢٢)، الإتحاف (٨/ ٣١٦/ ٩٤٥٢)، المسند المصنف (١٥/١٥٢ /٧٢١٥)].