للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

البخاري في صحيحه (٥٠٢٧)، وهو حديث أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان، عن النبي قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، قال شعبة: «ولم يسمع أبو عبد الرحمن من عثمان»، وقال أبو حاتم: «أبو عبد الرحمن السلمي: ليس تثبت روايته عن علي، فقيل له: سمع من عثمان بن عفان؟ قال: قد روى عنه، ولم يذكر سماعاً»، وقد قلت في الموضع المشار إليه: لم يثبت في رواية هذا الحديث سماع أبي عبد الرحمن السلمي من عثمان، إذ لم يقل: سمعت عثمان، وهو كما قال أبو حاتم: «لم يذكر سماعاً»، لكن القرينة الواردة في هذا الحديث تدل على سماعه منه، وذلك أنه كان كبيراً في زمن عثمان، حتى إنه جلس لإقراء القرآن في زمن عثمان، بل قد اشتهر واستفاض أنه قرأ القرآن على عثمان، بل جزم الإمام البخاري في التاريخ الكبير (٥/ ٧٣) بإثبات السماع مطلقاً، ولم يعتد بقول شعبة هذا، لاشتهار صحبة أبي عبد الرحمن السلمي لعثمان بن عفان وأخذه القرآن عنه، فلم يحتج لذكر السماع في الأسانيد، وإنما اكتفى بشهرة الصحبة، وأنه أخذ عنه القرآن، وهذا يدل على سماعه منه؛ وإن لم يقل في الإسناد: سمعت عثمان؛ لذا قال البخاري في التاريخ: «سمع علياً وعثمان وابن مسعود » [راجع كلامي مفصلاً على حديث عثمان فيما تقدم في فضل الرحيم الودود (١٧/ ٤٨٤/ ١٤٥٢)].

وانظر أيضاً مثالاً آخر، فيما رواه شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله : «سَوُّوا صُفوفَكم؛ فإن تسوية الصف من تمام الصلاة» [أخرجه البخاري (٧٢٣). ومسلم (٤٣٣). راجع تخريجه في فضل الرحيم الودود (٧/ ٣٦٨/ ٦٦٨) وقد قال علي بن المديني: «سمعت يحيى يقول: كل شيء حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس: فهو على السماع من أنس؛ إلا حديث إقامة الصف، قال: قلت ليحيى: شعبة أجمل هذا لك؟ قال: نعم»، ولم يكن يخفى على الشيخين قول شعبة في عدم سماع قتادة لهذا الحديث من أنس؛ إلا أنه لما ترجح لهما اتصال الحديث من وجه آخر أخرجاه، والله أعلم.

والأمثلة على هذا المعنى كثيرة في الصحيحين وخارجهما [وانظر مثلاً: فضل الرحيم الودود (١٤/ ٩٨/ ١٢٧٣)]، إذ العبرة ليست فقط بثبوت السماع في الأسانيد، ولكن إذا دلت القرائن على الاتصال والسماع أعملناها وحكمنا بصحة الحديث، لاسيما مع تصحيح الأئمة له، وتلقيهم له بالقبول.

هذا مع العلم بأنني لا أتسمح في إثبات الاتصال بمجرد ثبوت المعاصرة والإدراك، بل لا بد من ثبوت السماع في الأسانيد، أو تقوم قرائن قوية دالة على الاتصال، مع عدم وجود النفي الصريح للسماع من إمام معتبر، ولم يخالف فيه، والله أعلم.

فهو حديث شامي صحيح، صححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وحسن إسناده البيهقي، واحتج به: أحمد، وأبو عبيد، وأبو داود، والنسائي، وابن المنذر، والطحاوي، والخطابي، والبيهقي، ومحمد بن الحسن الشيباني، وحسنه الذهبي، والله أعلم.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>