للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ثم رأينا البدنة إذا أوجبها ربها، فكل قد أجمع أنه لا يجوز له أن يؤاجرها ولا يتعوض بمنافعها بدلا، فلما كان ليس له تمليك منافعها ببدل، كان كذلك ليس له الانتفاع بها، ولا يكون له الانتفاع بشيء إلا شيء له التعوض بمنافعه إبدالا منها.

فهذا هو النظر أيضا، «وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد ».

وقال في أحكام القرآن (٢/ ٣٠٨): فكان في هذا الحديث إباحة رسول الله لهم ركوب الهدي قبل أن يجدوا ظهرا، والمنع منه إياهم من ركوبه إذا وجدوا ظهرا، وعقلنا بذلك أن ما كان من إباحة رسول الله سائق البدنة في الآثار الأول من ركوبها المذكور فيها، كان منه على الضرورة والجهد اللذين رآهما بسائقها، ولا ينبغي لنا أن نحمل شيئا من هذه الآثار على التضاد، ولا على الاختلاف الذي يدفع به بعضها بعضا، وإنما يجب علينا أن نحملها على الاتفاق الذي يصدق بعضها بعضا، إذ كنا نجد السبيل إلى ذلك منها، فثبت بما ذكرنا من هذه الآثار التي روينا أن الحكم في البدن ألا تركب في غير أحوال الضرورات، ولا تركب في أحوال الضرورات ليكون ما روينا عن أبي هريرة، وعن أنس بن مالك، عن رسول الله في الإباحة في ذلك، هو الإباحة التي رويناها عنه في حديث جابر بن عبد الله، وهذا القول أيضا أشبه بتأويل الآية من القول الآخر، لأنه قال في الآية: ﴿لَّكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾، فدلنا ذلك على أن المنافع بها قد ترتفع عنها عند ذلك الأجل المسمى، والأجل المسمى موجود في هذا التأويل، لأن أهله يقولون: هو أن تصير بهيمة الأنعام بدنا، فيحرم الانتفاع بها والآخرون لا يحرم الانتفاع بها في قولهم إلى بلوغ محلها، ولا بد من أن يكون لقوله ﷿: ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ معنى، «والقياس أيضا يدل هذا القول، … »، ثم ذكر نحوا مما تقدم من النظر، ثم قال: وهكذا كان أبو حنيفة، وأبو يوسف ومحمد بن الحسن؛ يذهبون إليه في ركوب البدن: أنه مباح في حال الضرورة، «ومحظور في غير حال الضرورة، … ».

وقال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (٥/ ٧٩): «وقد روي عن النبي في ذلك أخبار يحتج بها من أباح ركوبها … ، فبين في هذه الأخبار أن إباحة ركوبها معقودة بشريطة الضرورة إليها، ويدل على أنه لا يملك منافعها، أنه لا يجوز له أن يؤاجرها للركوب، فلو كان مالكا لمنافعها لملك عقد الإجارة عليها، كمنافع سائر المملوكات».

هـ قلت: حديث أبي هريرة جاء بغير قيد، وأما حديث أنس: فقد جاء فيه قيد يفسر حديث جابر، ويحمل عليه أيضا حديث أبي هريرة؛ فقد روى ثابت البناني، عن أنس، أن النبي رأى رجلا يسوق بدنة، وقد أجهده المشي، قال: «اركبها»، قال: إنها بدنة، قال: اركبها، وإن كانت بدنة.

وهذا ظاهر في كون النبي إنما أمره بركوب بدنته لما أصابه من الجهد بسبب المشي، وفي حديث أبي هريرة وأنس ما يدل على أنه كان متقررا عندهم عدم ركوب البدنة التي أهديت إلى البيت الحرام، والنبي لم يأت منه ما يدل على رفع هذا الحكم

<<  <  ج: ص:  >  >>