وقال الخطابي في أعلام الحديث (٢/ ٨٩٣): «هذا القول يدل منه ﷺ على أن ركوب البدنة عند الحاجة إليه والضرورة فيه مباح، وإطلاقه الإذن له في ركوبها من غير شرط قرنه به، يدل على أنه لا يلزمه في ذلك غرم، لما نقصها إن جهدها السير، وإلحاقه الوعيد بصاحب البدنة في تركه الركوب يؤكد هذا المعنى إذا كان لعلة، إنما امتنع من ركوبها شفقا من إثم أو غرم فيها، فكان ظاهر الخبر أن لسائقها ركوبها على كل حال، إلا أن جابرا روى في هذه القصة أن النبي ﷺ قال: «اركبها بمعروف حتى تجد ظهرا»، فدل أنها إنما يباح ركوبها مع الحاجة والضرورة فيها».
وقال في المعالم (٢/ ١٥٥): «اختلف الناس في ركوب البدن؛ فقال أحمد وإسحاق: له أن يركبها، ولم يشترطا منه حاجة إليها. وقال مالك: لا بأس أن يركبها ركوبا غير فادح. وقال الشافعي: يركبها إذا اضطر إليها، وله أن يحمل المعيى والمضطر على هديه، وكأنه ذهب إلى حديث جابر. ومن تقدم ذكره ذهبوا إلى حديث أبي هريرة.
وقال أصحاب الرأي: ليس له أن يركبها؛ وإن فعل ذلك لضرورة ونقصها الركوب شيئا ضمن ما نقصها وتصدق به، وكذلك قال الثوري».
وقال ابن عبد البر في التمهيد (١٨/ ٢٩٧): «اختلف العلماء في ركوب الهدي الواجب والتطوع؛ فذهب أهل الظاهر إلى أن ركوبه جائز من ضرورة، وبعضهم أوجب ذلك.
وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى: أنه لا بأس بركوب الهدي على كل حال أيضا، على ظاهر هذا الحديث.
والذي ذهب إليه مالك، وأبو حنيفة والشافعي، وأكثر الفقهاء: كراهية ركوبه من غير ضرورة، فكره مالك ركوب الهدي من غير ضرورة، وكذلك كره شرب لبن البدنة، وإن كان بعد ري فصيلها، فإن فعل شيئا من ذلك كله فلا شيء عليه.
وقال أبو حنيفة، والشافعي: إن نقصها الركوب أو شرب لبنها؛ فعليه قيمة ما شرب من لبنها، وقيمة ما نقصها الركوب.
وحجة من ذهب هذا المذهب؛ أنه ما خرج لله فغير جائز الرجوع في شيء منه ولا الانتفاع به، فإن اضطر إلى ذلك؛ جاز له لحديث جابر في ذلك … » [وقال مثله في الاستذكار (٤/ ٢٤٠)] [وانظر أيضا: شرح السنة للبغوي (٧/ ١٩٦)].
١٧٦١ - قال أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج: أخبرني أبو الزبير: سألت جابر بن عبد الله، عن ركوب الهدي، فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «اركبها بالمعروف؛ إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا».
حديث صحيح
أخرجه من طريق أبي داود: ابن عبد البر في التمهيد (١٨/ ٢٩٧)، وفي الاستذكار (٤/ ٢٤١).