أبي داود: ثنا عبد الله بن محمد النفيلي: ثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن جهم بن الجارود، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه؛ قال أهدى عمر بن الخطاب ﵁ نجيبة فأعطي بها ثلاثمائة دينار؛ فأتى النبي ﷺ، فقال: يا رسول الله إني أهديت نجيبة، فأعطيت بها ثلاثمائة دينار، أفأبيعها وأشتري بثمنها بدناً؟ قال: لا؛ انحرها إياها.
فقد نهاه عن بيعها، وأن يشتري بثمنها بدناً؟ قيل: هذه القضية - بتقدير صحتها - قضية معينة؛ ليس فيها لفظ عام يقتضي النهي عن الإبدال مطلقاً، ونحن لم نجوز الإبدال مطلقاً. ولا يجوزه أحد من أهل العلم بدون الأصل، وليس في هذا الحديث أن البدل كان خيراً من الأصل؛ بل ظاهره أنها كانت أفضل. فقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه سئل: أي الرقاب أفضل؟ فقال:«أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها»، وقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَبَرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾، وقد قيل: من تعظيمها استحسانها واستسمانها والمغالاة في أثمانها. وهذه النجيبة كانت نفيسة؛ ولهذا بذل فيها ثمن كثير، فكان إهداؤها إلى الله أفضل من أن يهدى بثمنها عدد دونها، والملك العظيم قد يهدى له فرس نفيسة فتكون أحب إليه من عدة أفراس بثمنها، فالفضل ليس بكثرة العدد فقط، بل قد قال الله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾، فما كان أحب إلى المرء إذا تقرب به إلى الله تعالى كان أفضل له من غيره؛ وإن استويا في القيمة؛ فإن الهدية والأضحية عبادة بدنية ومالية؛ ليست كالصدقة المحضة؛ بل إذا ذبح النفيس من ماله الله تعالى كان أحب إلى الله تعالى. قال بعض السلف: لا يهدي أحدكم الله تعالى ما يستحي أن يهديه لكريمه، وقد قال تعالى: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُم بِتَاخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾، وقد قرب ابنا آدم قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، وقد ذكر أن سبب ذلك؛ أن أحدهما قرب نفيس ماله، والآخر قرب الدون من ماله، والله أعلم.
وقال شمس الدين الزركشي في شرح مختصر الخرقي (٧/٣٣): «وهذا نص، وفيه دليل على المنع من الإبدال، كما يقوله أبو الخطاب، ويجاب عن تشريك النبي ﷺ، بأن ذلك في الأجر والثواب، أو كان قبل الإيجاب»، يقال: لم يثبت؛ فهو لا يصلح للاحتجاج به على المنع من الإبدال مطلقاً.
وقال ابن كثير في مسند الفاروق (١/ ٥٥٦): فيه دلالة على أن من نذر هدياً معيناً؛ أنه لا يجوز له إبداله بوجه من الوجوه، حتى ولا بما هو أجود منه وأكثر ثمناً؛ قلت: لا يثبت الحديث؛ فلا يصلح مستمسكاً للاحتجاج به على ما قال.
تنبيه: ذكره بعض الفقهاء بالمعنى: فقال: عن عمر بن الخطاب؛ أنه قال أتيت رسول الله ﷺ، فقلت: يا رسول الله! إني أوجبت على نفسي بدنة، وقد طلبت مني بأكثر من ثمنها، فقال:«انحرها، ولا تبعها، ولو طلبت بمائة بعير».
قلت: هذا حديث ليس له أصل بهذا اللفظ، وإنما ذكروه بالمعنى من حديث جهم بن الجارود هذا؛ ثم إنهم بنوا عليه أحكاماً واستنباطات [انظر: الحاوي للماوردي]