وقال أبو حنيفة: من ساق هدياً وهو يؤم البيت، ثم قلده، فقد وجب عليه الإحرام، وإن جلل الهدي أو أشعره، لم يكن محرماً، وإنما يكون محرماً بالتقليد.
وقال: إن كانت معه شاة فقلدها، لم يجب عليه الإحرام، لأن الغنم لا تقلد.
وقال: إن بعث بهديه فقلده وأقام حلالاً، ثم بدى له أن يخرج فخرج، واتبع هديه؛ فإنه لا يكون محرماً حين يخرج؛ وإنما يكون محرماً إذا أدرك هديه وأخذه وسار به وساقه معه.
وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد: وإن بعث بهدي لمتعة، ثم أقام حلالاً أياماً، ثم خرج، وقد كان قلد هديه، فهو محرم حين يخرج، ألا ترى أنه بعث بهدي المتعة.
قال أبو عمر:«روي عن عطاء نحو مذهب ابن عباس، ومن قال بقوله».
قلت: الراجح من هذه الأقوال، وهو الموافق لمجموع أدلة الباب: ما قال الشافعي، وأبو ثور، وداود، وابن المنذر: لا يكون أحداً محرماً بسياقة الهدي، ولا بتقليده، ولا يجب عليه بذلك إحرام حتى ينويه ويريده، وأن التقليد والإشعار لا يوجب الإحرام على من لم ينوه.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (١١/ ٧٤ - ط الفرقان): «وليس حديث جابر مما يعارض بمثله حديث عائشة عند أهل العلم بالحديث، وقد كان ابن الزبير يحلف: إن فعل ما روي عن ابن عباس وابن عمر في هذا الباب بدعة، ولا يجوز في العقول أن يحلف على أن ذلك بدعة إلا وهو قد علم أن السنة خلاف ذلك».
وقال البغوي في شرح السنة (٧/ ٩٣): «في هذا الحديث أنواع من الفقه، منها: استحباب الإهداء إلى مكة، ومنها استحباب تقليد الهدي، وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الغنم تقلد كالإبل والبقر، وهو قول عطاء، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق، وقال مالك وأصحاب الرأي: لا تقلد الغنم، والأول أولى».
وقال ابن رشد في البيان والتحصيل (١٧/ ٣١٢): في هذا الحديث بيان ما كان عليه أزواج رسول الله ﷺ من عملهن بأيديهن وامتهانهن في ذلك، وكذلك كان رسول الله ﷺ يمتهن نفسه في عمل بيته، فربما خاط ثوبه وخصف نعله، وقد قلد هديه بيديه على ما جاء عن عائشة في غير هذا الحديث: أنها فتلت قلائد هدي رسول الله ﷺ بيديها، ثم قلدها رسول الله ﷺ بيده فلم يحرم عليها شيئاً مما أحله الله حتى يخرج الهدي، وفيه: أن من أهدى هدياً لا يكون بتقليده وبإشعاره محرماً حتى يحرم، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم، وفي ذلك اختلاف بين السلف من ذلك: ما في الموطأ، عن ابن عباس من أنه قال: من أهدى هدياً حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي، وتابعه على ذلك جماعة سواه، لحديث جابر بن عبد الله، قال: كنت عند النبي ﷺ جالساً فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه، فنظر القوم إلى النبي ﵊،