وقال مالك بن أنس: لا يشتركون في شيء من الهدي والبدن والنسك.
وعن أبي حنيفة أنه قال: إن كانوا كلهم يريدون النسك فجائز، وإن كان بعضهم يريد النسك وبعضهم اللحم لم يجز، وعند الشافعي يجوز على الوجهين معاً.
وفيه دليل على أن القارن لا يلزمه أكثر من شاة، وذلك أن أزواج النبي ﷺ كن قارنات، بدليل قوله لعائشة: «طوافك بالبيت يكفيك لحجك وعمرتك»، ولقولها: إن نساءك ينصرفن بحج وعمرة وأنصرف بحج، وحكي عن الشعبي أنه قال: على القارن بدنة.
وزعم داود أنه لا شيء على القارن، وإنما فر بذلك عن القياس، وذلك أن أكثر أهل العلم قاسوا دم القرآن على دم المتعة؛ إذ هو منصوص عليه، ولم يكن عنده في القارن نص؛ فأبطله».
وقال القنازعي في تفسير الموطأ (٢/ ٦٥٠): «وقول عمرة عن عائشة في حديثها: دخل علينا يوم النحر بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: نحر رسول الله ﷺ عن أزواجه البقر، تعني: أنه نحر الهدي عمن تمتع من أزواجه بالعمرة إلى الحج، أو عمن أردف منهن الحج على العمرة كما فعلت عائشة.
وفي هذا الحديث من الفقه: إباحة النحر في البقر، والذبح في البقر مذكور في القرآن، فالذبح والنحر فيها جائز، ومثل هذا الهدي الذي نحره رسول الله ﷺ عن أزواجه يأكل منه الأغنياء، ويأكل منه مُهدِيه، والذي لا يأكل منه مهديه هو جزاء الصيد، وفدية الأذى، ونذر المساكين، وله أن يأكل من هدي التطوع إذا بلغه منى ونحره، أو ذبحه بمنى، فإن لم يبلغه محله ونحره قبل ذلك إذا خاف عليه الموت لم يأكل مهديه منه، فإن فعل ضمنه، وكذلك لو أرسله مع غيره فأكل منه قبل أن يبلغ محله ضمنه».
وقال ابن حزم في حجة الوداع (٣٠٣): «كلا اللفظين صحيح، لا نرد أحدهما بالآخر، وكل أضحية هدي؛ فمن ضحى فقد أهدى اللهَ ﷿ هَدْياً، وليس كل هدي أضحية، والنسك اسم جامع لكل ذلك. وأيضاً فإن سفيان ذكر التضحية زائدة معنى، ليس في رواية الماجشون عن عبد الرحمن؛ إذ قال: أهدى، ولا رواية عمرة؛ إذ قالت: نحر رسول الله ﷺ. والزائد في المعنى زائد علماً، وسنة يلزم الأخذ بها. وبالجملة فلا يحل لأحد التعلق بلفظ حديث صحيح دون لفظ آخر صحيح ورد في ذلك الحديث، والواجب أن يستعمل كل ذلك ويؤخذ بجميعه، ولا يضرب بعضه ببعض، فكل ذلك مؤتلف لا اختلاف فيه؛ لأنه كله وحي».