كالحديد، إنما يجرح، ويدمي فتزهق النفس من غير أن يتيقن وقوع الذكاة، وقد قيل: إنما نهى عن الذكاة بالعظم الحي القائم في عصوه [كذا، ولعله أراد في عضوه]، فيكون ذلك بمنزلة ما يعالجه الإنسان بيده وأنامله، فيكون حتفاً دون العظم البائن منه، ودون السن المنزوع من مركزه، فإنه إذا كان له شباة وحدّ يمور مور الحديد كانت الذكاة به واقعةً كالحجر، والخزف، والقصب، ونحوها، وإلى نحو من هذا المعنى ذهب أصحاب الرأي، وأما أكثر العلماء فعلى تحريم الذكاة به أصلاً.
قلت: وإنما جاء النهي عنه، والتحريم فيه إذا كان الشيء مقدوراً على ذكاته، ولا يدخل فيه من الجوارح المعلمة وأظفارها ومخالبها، وهي مستثناة عن هذه الجملة، ولو اتخذ الرامي لنشابه قطبة، أو نصلاً من عظم، فرم به فأصاب صيداً كان ذكياً، لا أعلم فيه خلافاً.
وقوله: وأما الظفر فإنه مدى الحبشة، فإن ظاهر هذا الكلام، يوهم أن مدى الحبشة لا يقع بها الذكاة، ولا خلاف أن مسلماً لو ذكى شاة بمدية حبشي، أو زنجي كافر، أو غيرهما من أجيال الكفار بإذنهم كانت الذكاة بها حاصلة، ومعنى الكلام أن الحبشة يدمون مذابح الشاة بأظفارهم، ويجرحونها بها، فيحلونها محل المدى التي يستعملها المسلمون، وأهل الكتاب في ذبائحهم، والظفر لا يقع به الذكاة، وإنما تزهق النفس بالظفر خنقاً وتعذيباً، فنهى عن الذبح بالظفر، وضرب المثل في ذلك بالحبشة، إذ كانت جرت عادتهم باستعمال الأظفار مكان المدى».
وقال الخطابي في المعالم (٤/ ٢٧٨ - ٢٧٩): «قوله: أرن صوابه ائرن بهمزة، ومعناه: خف واعجل، لئلا تخنقها؛ فإن الذبح إذا كان بغير الحديد احتاج صاحبه إلى خفة يده وسرعته في إمرار الآلة على المري والحلقوم والأوداج كلها والإتيان عليها قطعاً قبل هلاك الذبيحة بما ينالها من ألم الضغط قبل قطع مذابحها، وفسر به في غريب الحديث، وفيه دلالة على أن العظم كذلك، لأنه لما علل بالسن قال: لأنه عظم، فكل عظم من العظام يجب أن يكون الذكاة به محرمة غير جائزة.
وقال أصحاب الرأي: إذا كان العظم والسن بائنين من الأسنان، فوقع بها الذكاة حل، وإن ذبحها بسنه أو ظفره وهما غير منزوعين من مكانهما من بدنه فهو محرم.
وقال مالك: إن ذكى بالعظم فمرَّ مرّاً أجزأه. وقال بعض أصحاب الشافعي: إن العظم إذا كان من مأكول اللحم وقعت الذكاة، وكافة أصحابه على خلاف ذلك، وسواء عندهم كان الظفر والسن منفصلين من الإنسان أو لا.
قلت: وهذا خاص في المقدور على ذكاته، فإن الذكاة في [غير] المقدور عليه ربما وقعت بسن الكلب المعلم، وبأسنان سائر الجوارح المعلمة وبأظفارها ومخالبها.
وسرعان الناس هم الذين تقدموا في السير بين أيدي الأصحاب.
ويشبه أن يكون إكفاء القدور لأن الذي فيها لم يكن دارت عليه سهام القسمة بعد.