وفي معناه لو كتبت بغلة بحلقة فضة أو نحوها جاز، والبرة حلقة تجعل في أنف البعير وتجمع على البرين. وقوله: يغيظ بذلك المشركين، معناه: أن هذا الجمل كان معروفاً بأبي جهل، فحازه النبي ﷺ في سلبه، فكان يغيظهم أن يروه في يده، وصاحبه قتيل سليب».
وقال الماوردي في الحاوي (٤/ ٣٧١): «وقد روى مقسم عن ابن عباس ﵄: أن رسول الله ﷺ أهدى مائة بدنة، فيها جمل لأبي جهل، عليه برة من فضة، واسم الجمل يتناول الذكر دون الأنثى، ولأن المقصود من الهدايا اللحم، ولحم الذكر والأنثى سواء، ولأنه لما استوى الذكر والأنثى في جواز الأضحية، كذلك في الهدايا».
وقال ابن عبد البر في التمهيد (١١/ ٢٥٢ - ط الفرقان): «في هذا الحديث دليل على استسمان الهدايا واختيارها، وانتخابها، وأن الجمل يسمى بدنة كما أن الناقة تسمى بدنة، وهذا الاسم مشتق من عظم البدن عندهم، وفي هذا الحديث رد قول من زعم أن البدنة لا تكون إلا أنثى، وفيه إجازة هدي ذكور الإبل، وهو أمر مجتمع عليه في الهدي، وأما استسمان الضحايا والهدايا، والغلو في ثمنها واختيارها فداخل عندي تحت عموم قول الله ﷿: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَيْرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾، وسئل رسول الله ﷺ عن أفضل الرقاب، فقال: «أغلاها ثمناً»، وهذا كله مداره على صحة النية، قال رسول الله ﷺ:«الأعمال بالنيات»، قال الله ﷿: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾، وفي حديث مجاهد عن ابن عباس المذكور في هذا الباب، فيه قوله: ليغيظ به المشركين، وذلك عندي تفسير لهذا الحديث لمن تدبر، وبالله التوفيق» [وقال بعضه في الاستذكار (١٢/ ٢٤٨)].
وقال ابن العربي في المسالك شرح الموطأ (٤/ ٤٢٠ - ٤٢١): «قوله: أهدى جملاً؛ نص في أن الهدي قد يكون من ذكور الإبل، وهو مذهب مالك، وبه قال جماعة من الصحابة، وقال الشافعي: لا يهدى إلا الإناث، ودليل مالك هذا الحديث، وهو نص في موضع الخلاف، ومن جهة المعنى: أن هذا الهدي جهة من جهات القرب، فلم يختص بإناث الحيوان دون ذكورها، كالضحايا والزكاة والعتق في الكفارات».
وقال ابن قدامة في المغني (٣/ ٤٧٣): «والذكر والأنثى في الهدي سواء، وممن أجاز ذكران الإبل: ابن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، وعطاء، والشافعي، وعن ابن عمر، أنه قال: ما رأيت أحداً فاعلاً ذلك، وأن أنحر أنثى أحب إليَّ، والأول أولى؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٦]، ولم يذكر ذكراً ولا أنثى، وقد ثبت: أن النبي ﷺ أهدى جملاً لأبي جهل في أنفه برة من فضة. رواه أبو داود، وابن ماجه. ولأنه يجوز من سائر أنواع بهيمة الأنعام، ولذلك قال النبي ﷺ: «فكأنما قرب كبشاً أقرن»، فكذلك من الإبل، ولأن القصد اللحم، ولحم الذكر أوفر، ولحم الأنثى أرطب، فيتساويان، قال أحمد: الخصي أحب إلينا من النعجة، وذلك لأن لحمه أوفر وأطيب».