﴿يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَلَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ إلى آخر الآية [آل عمران: ١٨٠].
خالف عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار؛ فأوقفه:
مالك بن أنس، فرواه عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة؛ أنه كان يقول: من كان عنده مال لم يؤد زكاته، مُثّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زببتان، يطلبه حتى يمكنه، يقول: أنا كنزك.
أخرجه مالك في الموطأ (١/ ٣٤٨/ ٦٩٦ - رواية يحيى الليثي)، هكذا موقوفاً على أبي هريرة.
قال الدارقطني في العلل (١٠/ ١٥٤/ ١٩٤٦): «وقول مالك: أشبه بالصواب»؛ يعني: الموقوف.
قلت: بل قصر به مالك؛ لشدة احتياطه على عادته في ذلك، وإلا فإن الحديث محفوظ مرفوعاً من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، وقد تابعه على رفعه؛ إلا أنه سلك فيه الجادة: عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون.
فرواه عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ، قال: «إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يمثل الله ﷿ له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبتان، ثم يلزمه [أو] يطوقه، يقول: أنا كنزك، أنا كنزك».
أخرجه النسائي في المجتبى (٥/٣٨/٢٤٨١).
قال النسائي: «عبد العزيز بن أبي سلمة: أثبت عندنا من عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، ورواية عبد الرحمن أشبه عندنا بالصواب، والله أعلم، وإن كان عبد الرحمن: ليس بذاك القوي في الحديث».
قلت: يستفاد من كلام النسائي أمور:
منها: أنه لا يلزم أن تكون رواية الثقة هي الصواب دائماً، ورواية كثير الوهم هي الغلط حتماً؛ وإنما العبرة بالقرائن.
ومنها: أن سلوك الجادة هي إحدى وسائل معرفة وقوع الوهم في الإسناد.
ومنها: أن إصابة كثير الوهم، وخطأ الثقة: لا يغير من الأمر شيئاً في مراتبهم في الجرح والتعديل؛ بل يبقى كل في منزلته.
ومنها: اتفاق البخاري والنسائي على تصويب رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، وأنه لا عتب على البخاري في إخراجه لحديثه مع مخالفته لاثنين من كبار الثقات؛ مالك، والماجشون، كما قد صححه أيضاً: ابن عبد البر؛ معللاً ذلك بمتابعة الثقات له عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً؛ فلا غرو أن لا ينفرد البخاري بتصحيح حديث عبد الرحمن.
ومنها: أن عبد الرحمن وافق مالكاً على الإسناد، ووافق الماجشون على رفع الحديث؛ فجمعت روايته الصواب في الأمرين جميعاً.