قلت: هكذا أعلَّ مسلم هذا الحديث وردَّه بالانقطاع، ولم يتعرض لشأن يزيد بن أبي زياد، وهو في الأصل: صدوق عالم؛ إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير، وكان إذا لُقِّنَ تَلَقَّنَ، فهو ليس بالقوي؛ كما قال أكثر النقاد، لأجل ما صار إليه أمره [انظر: التهذيب (٩/ ٣٤٤)، الميزان (٤/ ٤٢٣)، الجامع في الجرح والتعديل (٣/ ٣١٥)].
وهذا الحديث رواه عنه: سفيان الثوري، وهو ممن حمل عنه قديماً، فيحتمل أن يكون حدث به قبل أن يتغير حفظه، ويقبل التلقين [راجع تفصيل القول في يزيد بن أبي زياد في فضل الرحيم الودود (٨/ ٣٠٠ - ٣١٠/ ٧٥٠)]، وهذا مجرد احتمال، لا تؤيده متابعة قوية، بل الثابت عن ابن عباس من قوله خلاف هذا، والله أعلم.
• فقد روى إسماعيل بن علية، عن ابن عون، عن ابن سيرين، قال: حُدَّ للناس خمسة: لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل مكة التنعيم، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يَلَمْلَم، ولأهل نجد قرن، أو قال: لأهل العراق قرن.
فلما كان بعد قالوا لابن عباس: ليس لنا طريق على قرن، قال: إزاؤه ذات عرق.
• ورواه هشيم بن بشير، قال: أخبرنا ابن عون، عن ابن سيرين، عن ابن عباس، قال: ذات عرق وزان قرن.
وهذا هو الصحيح، موقوفاً على ابن عباس قوله [تقدم تخريجه تحت الحديث السابق]، والله أعلم.
• ورواه خالد بن يزيد أبو الوليد المكي: حدثنا سفيان الثوري، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: وَقَّتَ رسولُ اللهِ ﷺ لأهل المشرق [بَطْن] العقيق.
أخرجه ابن عدي في الكامل (٣/ ٤٣٤)، وابن عبدكويه في ثلاثة مجالس من أماليه (٥٦)
قال ابن عدي: «وهذا قد رواه أبو عاصم ووكيع، عن الثوري، عن يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن علي، عن ابن عباس».
ثم قال ابن عدي في آخر ترجمة خالد بن يزيد: «ولخالد بن يزيد العدوي غير هذا من الحديث، ومقدار ما يرويه عمن رواه لا يتابع عليه».
قلت: هذا حديث باطل من حديث مقسم عن ابن عباس؛ تفرد به خالد بن يزيد العدوي العمري المكي، وهو: كذاب، ذاهب الحديث [اللسان (٣/ ٣٤٥)]، بل خالف فيه أحد أثبت الناس في الثوري، وهو من أحفظ الناس: وكيع بن الجراح.
وقال ابن حزم في المحلى (٥/ ٥٤): «وفي بعض ما ذكرنا خلاف: فمنه أن قوماً ادعوا أن ميقات أهل العراق: العقيق، واحتجوا بخبر لا يصح؛ لأن راويه يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف، عن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، عن ابن عباس».
وقال البيهقي في المعرفة (٧/ ٩٦) أن يزيد بن أبي زياد قد انفرد به، وأعله به أيضاً: عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (٢/ ٢٦٧).