لكان حمله على هذا المعنى أولى، لاسيما وقد روي معناه من وجه آخر، والله أعلم.
• فقد روى محمد بن إسماعيل الصائغ [صدوق]، قال: حدثنا شبابة [ثقة]، قال: حدثنا المغيرة بن مسلم، عن أبي الزبير عن جابر، قال: بينما عمر في طريق بمكة إذ مر بجراب من سويق توطأه الإبل، فأخذه فرفعه بيده وقال: لمن هذا؟ فلم يجد أحداً يعرفه، قال: فدعا بقدح فجعل فيه من ذلك السويق وشرب، ثم جعل يخرج إلى القوم، ويسقيهم حتى شربوا ما في الجراب أجمع، ثم قال: هذا خير من أن توطأه الإبل. أخرجه ابن المنذر في الأوسط (١١/ ٣٧٩/ ٨٦٣٩).
وهذا موقوف بإسناد لا بأس به في المتابعات.
وهذا وإن كان قد تفرد به عن أبي الزبير عن جابر المغيرة بن مسلم القسملي، وهو: صدوق، لكن أحاديثه عن أبي الزبير مستنكرة، تكلم ابن معين والنسائي في حديثه عن أبي الزبير [شرح علل الترمذي (٢/ ٧٩٤)]، كما سيأتي بيان ذلك مفصلاً عند الحديث الآتي برقم (١٧١٧)؛ لكن لما جاءنا من الطريق السابق ذكره دل على صحة أصله دون قيد التعريف بالأيام الثلاثة، ودون الاعتماد على القصة التي تفرد بها المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر، وإنما فقط يدل على صحة الأصل بجواز الانتفاع بالطعام الذي يخشى فساده، بعد تعريفه، مع التفصيل السابق ذكره.
فإن قيل: فلم اعتبرت رواية المغيرة بن مسلم هنا فيما تفرد به عن أبي الزبير عن جابر، ولم تعتبر روايته عنه في الأحاديث المرفوعة، فيقال: أكثر النفوس تتشوف إلى رواية المرفوع، بخلاف الموقوف، فلا يحترز في إثبات الرواية الموقوفة بمثل ما يحترز لدفع الرواية المرفوعة، والمغيرة بن مسلم القسملي: صدوق في الأصل؛ إلا فيما تفرد برفعه عن أبي الزبير عن جابر، حيث أنكر النسائي عليه حديثين مرفوعين، وسيأتي بيانه في موضعه المشار إليه.
• وروي عن عمر؛ أنه قال: عرّفها أربعة أشهر، ولا يثبت إسناده [أخرجه ابن المنذر في الأوسط (١١/ ٣٨٩/ ٨٦٥٥)].
• وقد ثبت عن علي موقوفاً عليه الأمر بتعريف اللقطة حولاً، ثم التصدق بها:
• فقد روى شعبة [وعنه: عبد الرحمن بن زياد الرصاصي، وأبو عمر حفص بن عمر الحوضي، وهما: ثقتان، من أصحابه المكثرين]، وأبو حنيفة [النعمان بن ثابت: ضعيف]: عن أبي إسحاق الهمداني، عن عاصم بن ضمرة، قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب ﵁، فقال: إني وجدت صرة من دراهم، فعرفتها، فلم أجد أحداً يعرفها، فقال:«تصدق بها، فإن جاء صاحبها ورضي كان له الأجر، وإلا غرمتها، وكان لك الأجر». لفظ شعبة [عند الطحاوي].
ولفظ أبي حنيفة: عن علي بن أبي طالب ﵁؛ أنه قال في اللقطة:«عرفها حولاً، فإن جاء صاحبها وإلا فتصدق بها، وإن شئت أمسكت، فإن جاء صاحبها فهو بالخيار: إن شاء ضمنك، وإن شاء اختار الأجر».