فاقبلوا، فإن لم يفعلوا، فخذوا منهم حقَّ الضيف الذي ينبغي لهم». [وقد تقدم تخريج جميع هذه الأحاديث في الباب المشار إليه، وهي من صحاح الأحاديث].
فدلت هذه الأحاديث على أن الحق الوارد فيها، حق زائد على المحدود الموصوف في فرائض الصدقات، والتي تؤدى للمصدَّق مرة واحدة في العام، بخلاف هذا الحق الزائد الذي يكون بحسب مقتضى الحال، لحاجة عرضت ونازلة وقعت، كما يقول إسماعيل القاضي:«الحق المفترض هو الموصوف المحدود، وقد تحدث أمور لا تحد ولا يحد لها وقت، فيجب فيها المواساة للضرورة التي تنزل؛ من: ضيف مضطر، أو جائع، أو عار، أو ميت ليس له من يواريه، فيجب حينئذ على من يمكنه المواساة التي تزول بها هذه الضرورات» [التوضيح لابن الملقن (١٠/ ٢٤٠)].
• لكن يمكن التفريق بين هذا الواجب، وبين فريضة الزكاة، بأن يقال: إن الزكاة واجبة على الأعيان، بشرطها المعروف من النصاب والحول، وهي محدودة مقدرة، بينما هذا الحق واجب على الكفاية؛ إذا قام به البعض واندفعت به المسغبة والحاجة، سقط عن الباقين، وهو غير محدود ولا مقدر، إنما هو بقدر دفع النازلة، ورفع الضرر الواقع، وقد يتعين في بعض الأحوال، وكذلك هو لا يتعارض مع الأحاديث الصحيحة، القاضية بأن ليس على المكلف سوى ما افترض الله عليه من الزكاة المفروضة؛ مثل:
ما رواه مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه: أنه سمع طلحة بن عبيد الله، يقول: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ من أهل نجد، ثائر الرأس، يُسمع دوي صوته ولا يُفقه ما يقول حتى دنا؛ فإذا هو يسأل عن الإسلام؟ فقال رسول الله ﷺ:«خمس صلوات في اليوم والليلة». قال: هل علي غيرهن؟ قال:«لا، إلا أن تطوع».
قال: وذكر له رسول الله ﷺ صيام شهر رمضان، قال: هل عليَّ غيره؟ قال:«لا، إلا أن تطوع».
قال: وذكر له رسول الله ﷺ الصدقة، قال: هل علي غيرها؟ قال:«لا، إلا أن تطوع». فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال رسول الله ﷺ:«أفلح إن صدق».
وهو حديث متفق على صحته [أخرجه مالك في الموطأ (١/ ٢٤٨ - ٢٤٩/ ٤٨٥)، ومن طريقه: البخاري (٤٦ و ٢٦٧٨)، ومسلم (١١/٨)، وتقدم في فضل الرحيم الودود (٤/ ٣٩١/ ٣٥٥)]
وبهذا يتبين أن هذا المقدار المأذون فيه للمرأة والخازن، والمملوك بالتصرف فيه من مال الزوج والسيد؛ إنما هو من هذا النوع الذي تدفع به المسغبة، من إطعام الجائع، وقرى الضيف، والصدقة على المسكين، فهو شيء يسير لا يفسد المال، ولا يضيعه، بدليل منطوق حديث عائشة:«إذا تصدقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة»؛ يعني: طعام البيت المأذون لها في التصرف فيه، ويدل عليه أيضاً حديث أسماء ﵂، قالت: قلت: يا