تفرد به عن أهل البصرة: أهل نيسابور، فلا يثبت عندي، ولعله وهم وقع لشيخ الجرجاني؛ محمد بن الحسين بن الحسن القطان، دخل له حديث في حديث؛ أو من شيخه قطن بن إبراهيم؛ فحدث به بغير سماع.
فإن قيل: كيف تقبل بهذا الإسناد حديثاً، وترد به آخر؟!
فيقال: ليس من شرط الثقة ألا يهم، فضلاً عن كون رواته ليسوا من الثقات الذين يعتمد عليهم إذا انفردوا بإسناد، وهؤلاء رواة كتب وصحف، وقد تكلم في بعضهم، وقد يدخل على الواحد منهم الوهم، بالتحديث بغير سماع، كما قيل في قطن بن إبراهيم بن عيسى القشيري النيسابوري؛ نعم، قال فيه محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري:«صدوق، مسلم، اكتبوا عنه»، وقال الخليلي:«ثقة»، وقال أبو حاتم:«شيخ»، وروى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم الرازيان، وذكره ابن حبان في الثقات، لكن قال:«يخطئ أحياناً، يعتبر حديثه إذا حدث من كتابه»، وقال النسائي:«فيه نظر»، وقال ابن ماكولا:«حدث عنه النسائي، ثم تركه»، وكان يتتبع الغرائب، فيحدث بها حتى لو لم تكن من حديثه، فقد أخذ حديثاً غريباً لحفص بن عبد الله عن ابن طهمان ليس من مسموعاته، وهو حديث: أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً: «أيما إهاب دبغ فقد طهر»، فحدث به على أنه سمعه من حفص، ولم يسمعه منه، لذا تركه مسلم بن الحجاج بعدما كتب عنه، وقد سئل عنه بعد فقال:«لا يكتب حديثه»، وقال أبو سعد السمعاني في الأنساب: روى عنه أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، وتكلموا فيه، قيل: حدث بما لم يسمع [الجرح والتعديل (٧/ ١٣٨)، مشيخة النسائي (١٦١)، الثقات (٩/٢٢)، الإرشاد (٢/ ٨١٦)، تاريخ بغداد (١٤/ ٤٩٧ - ط الغرب)، الإكمال لابن ماكولا (٧/ ٩٦)، الأنساب (٤/ ٥٠٣)، المنتظم (١٢/ ١٦٨)، تاريخ الإسلام (٦/ ٣٧٨ - ط الغرب) و (٦/ ٤٣٤ - ط الغرب)، الميزان (٣/ ٣٩٠)، التهذيب (٣/ ٤٤١)].
فلا نحتمل منه التفرد بهذا الحديث، وحديث الحسن مبثوث بين أصحابه، وحديث قتادة تداوله ثقات أصحابه والشيوخ منهم، وهم كثرة كاثرة، من أهل العراق وغيرهم، فكيف لا يُعرف إلا عند أهل نيسابور دون غيرهم من أهل الأمصار.
وأما حديث الأعرج، عن أبي هريرة؛ فقد رواه ابن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، ورواه ابن لهيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة، فلا غرو بعد ذلك أن يرويه إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ فيحتمل مع غرابته لوجود المتابعات من حديث الأعرج، ومن حديث أبي الزناد؛ بخلاف تفرد أهل نيسابور بحديث لمشاهير أهل البصرة وأئمتهم، مثل: الحسن وقتادة وحجاج الباهلي؛ ثم لا يُعرف في بلده التي خرج منها، ولا حتى عند أصحابهم من الغرباء؛ حتى ينفرد به من أهل نيسابور من يُغرب منهم، فلم يتابع عليه؛ لا عن الحسن، ولا عن قتادة، ولا عن حجاج، ولو من وجه ضعيف، والله أعلم.