والدليل عندي على كون رواية الجماعة محفوظة: أن إسرائيل قد رواه عن جده بإثبات الواسطة، ثم بجعله من قول ابن مسعود، وهو محفوظ عن ابن مسعود من قوله، قد رواه عنه جمع من ثقات أصحابه، مثل: أبي وائل، والحارث بن سويد، وأبي العبيدين من رواية يحيى بن الجزار عنه، كما تقدم.
وأما رواية الثوري وشعبة [وهما أثبت الناس في أبي إسحاق السبيعي، وأقدمهم منه سماعاً]؛ فهي محفوظة بلا شك، ومبناها على كون أبي إسحاق أدرك بعد ذلك سعد بن عياض، وسمع منه الحديث، لكنه أبهم الصحابي، وسعد بن عياض معروف بالرواية عن ابن مسعود، فضلاً عن كون هذا التفسير محفوظاً من قول ابن مسعود، برواية جماعة من ثقات أصحابه؛ فدل ذلك على حفظ الوجهين، والله أعلم.
فإن قيل: كيف يحدث الأقدمين عنه سماعاً بالإبهام والتقصير في السند، ثم يحدث بعدما كبر بإثبات الواسطة، وتعيين الصحابي؟!
فيقال: إن أبا إسحاق السبيعي إنما تغير ولم يختلط، ومن ثم فإنه في حال تغيره كان يحدث بالحديث على وجهه الصحيح، حيث كان متيقظاً فطناً لما يروي، ضابطاً له، وقد حدث عنه إسرائيل وزهير وأبو الأحوص بكثير من حديثه المستقيم الموافق لحديث القدماء، فإن قيل: قد خالفوا هنا أقدم الناس عنه سماعاً؛ فيقال: اجتماعهم يدل على كون أبي إسحاق لم يكن متغير الحفظ والضبط عندما حدثهم به؛ إذ لو كان متغيراً لخلط في الأسانيد، ولحدث كلاً بما لم يحدث به الآخر، إذ التغير يكون معه النقص والإسقاط والإبهام؛ لكن الزيادة في الإسناد، وتعيين الصحابي المعروف بهذا الحديث؛ يعتبر هنا من علامات ضبطه وحفظه للحديث، ويحتمل أنه لما حدث به القدماء أراد أن يحدثهم بإسناده العالي، والذي سمعه مباشرة من سعد بن عياض بلا واسطة، والذي وقع معه الإبهام، بينما لما كبر سهل عليه أن يخبر بأول من سمع منه الحديث نازلاً، وأنه لا غضاضة عنده في ذلك، والله أعلم بالصواب، وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
• وانظر فيمن وهم فيه على أبي إسحاق: ما رواه سعيد بن منصور في سننه (٣/ ٧١٨/ ٥٤٩ - ط الألوكة).
هـ - ورواه النضر بن شميل [بصري، ثقة ثبت، ممن سمع من المسعودي قبل الاختلاط، وأهل البصرة سماعهم من المسعودي جيد]، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي [كوفي، لا بأس به، وسماع من سمع من المسعودي بالكوفة جيد، والمحاربي قديم الموت، أقدم وفاة من أبي نعيم، قال أحمد:«كل من سمع المسعودي بالكوفة فهو جيد، مثل وكيع وأبي نعيم». العلل ومعرفة الرجال (٣/٥٠/٤١١٤)]، وآدم بن أبي إياس، وعبد الله بن يزيد المقرئ [وهما ثقتان، لم يُذكرا فيمن سمع من المسعودي قبل الاختلاط.
انظر: التهذيب (٢/ ٥٢٣)، شرح العلل (٢/ ٧٤٧)، التقييد والإيضاح (٤٣٠)، الكواكب النيرات (٣٥)، تاريخ بغداد (١٠/ ٢١٨)، وغيرها]: