قلت: وهذا حديث صحيح، وشاهده: حديث بريدة عند مسلم (١١٤٩)، وتقدم.
والاختلاف هنا في المتصدق عليه سواء كان الأم أم الولد؛ لا يؤثر في صحة الحديث، والله أعلم.
• قال الطحاوي في الشرح:«أفلا ترى أن رسول الله ﷺ قد أباح للمتصدق صدقته لما رجعت إليه بالميراث، ومنع عمر بن الخطاب ﵁ من ابتياع صدقته، فثبت بهذين الحديثين إباحة الصدقة الراجعة إلى المتصدق بفعل الله، وكراهة الصدقة الراجعة إليه بفعل نفسه».
وقال في المشكل:«فكان في هذا إباحة رسول الله ﷺ للمتصدق ملك صدقته بالميراث، وإباحته ذلك له، وفيما روينا قبله منعه عمر من ابتياع صدقته، فوجب بتصحيح هذه الآثار عن رسول الله ﷺ، أن تكون إعادة المتصدق صدقته بالابتياع، وبما أشبهه من الأشياء التي تكون منه، كالقبول لها في هبة له، أو في صدقة عليه، أو فيما سوى ذلك من وجوه التمليكات؛ مكروهاً له، وأن إعادة الله ﷿ إياها إلى ملكه، بتوريث له إياها عن من تصدق بها عليه؛ غير مكروه له، إذ لم يكن ذلك بارتجاعه إياها، وإنما كان ذلك بإعادة الله ﷿ إياها إليه».
٢ - حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه:
يرويه يونس بن عبد الأعلى المصري [ثقة]، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم [مصري، فقيه إمام، ثقة]:
حدثنا ابن وهب [ثقة حافظ]، قال: أخبرني عمرو بن الحارث [ثقة ثبت، إمام فقيه]، عن سعيد بن أبي هلال [مصري، أصله من المدينة، وهو ثقة]، عن أبي بكر بن حزم، عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي أري النداء؛ أنه تصدَّق على أبويه، ثم توفيا، فرده رسول الله ﷺ إليه ميراثاً.
أخرجه النسائي في الكبرى (٦/ ٦٢٧٩/ ١٠١)، والحاكم (٤/ ٣٤٨)(١٠/٣٨/٨٢١٧ - ط الميمان)، والبيهقي في المعرفة (٦/ ٨٣٥١/ ١٦٠). [التحفة (٤/ ٢٣٥/ ٥٣١٢)، الإتحاف (٦/ ٦٥٢/ ٧١٥٥)، المسند المصنف (١١/ ٢٦٦/ ٥٣٤٣)].
قال الحاكم:«هذا حديث صحيح على شرط الشيخين؛ إن كان أبو بكر بن عمرو بن حزم سمعه من عبد الله بن زيد، ولم يخرجاه».
وقال البيهقي:«هذا منقطع بين أبي بكر، وبين عبد الله بن زيد».
قلت: هو ظاهر الانقطاع؛ فإن رواية أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي أري النداء: مرسلة، فإن عامة رواية أبي بكر عن التابعين، وهو من الطبقة الخامسة، مات سنة عشرين ومائة (١٢٠)، وكانت وفاة عبد الله بن زيد سنة اثنتين وثلاثين (٣٢) في أواخر خلافة عثمان، على الصحيح [وقد سبق تحرير ذلك في فضل الرحيم الودود (٥/ ٥٣٣/ ٤٩٩)]؛ يعني: أنه كان بين وفاتيهما ما يقرب من تسعين سنة، فهو لم يدركه.