حديث بريدة في هذه اللفظة، ولما كان مسلم قد أتى بهذا الحديث في كتاب الصيام، محتجا به على جواز قضاء الصوم عن الميت، لمن مات وعليه صيام، حيث بدأ بحديث عائشة المتفق عليه [البخاري (١٩٥٢)، مسلم (١١٤٧)]، ثم ثنى بحديث ابن عباس المتفق عليه [البخاري (١٩٥٣)، مسلم (١١٤٨)] [وفيه: صوم شهر]، فقد أراد مسلم أن يبين ما هو الراجح عنده في هذه اللفظة من حديث بريدة، وهي: هل كان عليها صوم شهر، أم صوم شهرين؟ فبدأ برواية علي بن مسهر، بصوم شهر، ولم يختلف عليه، ثم أتبعها برواية ابن نمير، بصوم شهرين، ولما اختلفت الرواية عن الثوري أخرها عنهما، وذكر الاختلاف عليه في هذه اللفظة، وعندئذ احتاج إلى متابعة لرواية من لم يختلف عليه في ذلك، فأخرج رواية العرزمي ليدلل بها على صحة قول من قال فيه: صوم شهر، وبهذا يظهر جليا أن مسلما لم يخرج حديث العرزمي محتجا بإسناده، حيث أخره، وإنما يحتج منه بما أصاب فيه العرزمي من المتن، في قوله: صوم شهر، فأخطأ العرزمي بمخالفته لإسناد الجماعة عن عبد الله بن عطاء، لكن مسلما استفاد منه في ترجيح رواية من قال فيه:«صوم شهر»، مع احتمال كون الوهم والخطأ في الإسناد إنما وقع من إسحاق بن يوسف الأزرق، والله أعلم.
وبهذا نكون قد بينا الوجه الذي خفي على الدارقطني، حين رأى أن لا وجه لإخراج مسلم حديث إسحاق الأزرق، والله أعلم.
قال الدارقطني في التتبع (١٦٨): «وأخرج [يعني: مسلما]: عن إسحاق الأزرق، عن عبد الملك، عن عبد الله بن عطاء، عن سليمان بن بريدة: إني تصدقت على أمي بجارية.
وقد خالفه: الثوري، وعلي بن مسهر، وابن نمير، وغيرهم.
وقد أخرج أحاديثهم أيضا؛ فلا وجه لإخراج حديث الأزرق، وبالله التوفيق».
• قلت: وقد توبع مسلم على إعلال إسناد حديث الأزرق:
قال أبو عبد الرحمن النسائي:«هذا خطأ، والصواب: عبد الله بن بريدة».
ووقع في التحفة (١٩٨٠): «قال النسائي: حديث إسحاق الأزرق: خطأ، والصواب: حديث عبد الله بن بريدة، وعبد الله بن عطاء: ليس بذاك القوي».
قلت: عبد الله بن عطاء: ثقة، وثقه: البخاري، وابن معين، والترمذي، وغيرهم، ولا يضره كلام من تكلم فيه [تاريخ ابن معين للدوري (٣/ ٣١٦/ ١٥١١) و (٤/ ٣٥٩ / ٤٧٨٤)، ترتيب علل الترمذي الكبير (٧٢)، سؤالات الآجري (١١٣)، الكامل لابن عدي (٦/ ٤٦٦ - ط الرشد)، الميزان (٢/ ٤٦١)، التهذيب (٢/ ٣٨٦)].
وإنما الوهم ممن دونه؛ ممن تفرد دون جماعة الثقات الأثبات بقوله فيه: عن سليمان بن بريدة، والوهم فيه: إما من عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي [وهو: ثقة، وله أوهام. التهذيب (٢/ ٦١٣)]، وإما من إسحاق بن يوسف الأزرق [وهو: ثقة].